عندما استحضر وزير الخارجية البريطاني السابق بوريس جونسون محاولات هتلر ونابليون للاستحواذ على أوروبا، كان يحاول جونسون بأنانيته السياسية تهشيم فكرة الاتحاد في نظر الجمهور، والتوصل إلى نتيجة مفادها أن كل شيء يمكن أن ينتهي بشكل كارثي. وُصف حينها بالسياسي الذي تخلى عن المعايير الأخلاقية، بل إن صحيفة الغارديان اعتبرت كلام جونسون “شائن ومستفز″، ولم تتعاطف معه صحيفة التايمز، مطالبة إياه بـ”إبقاء هتلر خارج كل هذا الأمر”.

اليوم ثمة من يتجرّأ بهذا الكلام “الشائن والمستفز″ ويرفع صوته للتذكير بأن الاتحاد أصلا منقسم على قيمه، أو بتعبير جديون راتشمان الكاتب في صحيفة فايننشيال تايمز، بأن الفكرة القائلة إن قادة الاتحاد الأوروبي متحدّون حول قيم مشتركة هي فكرة يصعب الحفاظ عليها بشكل متزايد، الاتحاد الأوروبي تحالف وليس اتحاد قيم.

تصاعد الشكوك بفكرة الاتحاد يثير القلق ويحطم الحلم الذي وضعه الأجداد بالعلم الأزرق ذي النجوم الصفراء، وهذا ما دفع ثلاثين روائيا وشاعرا ومؤرخا وفيلسوفا، إلى التحذير من عودة أوروبا إلى ثلاثينات القرن الماضي. وخشيتهم من تفكك الاتحاد أمام أعينهم.

وطالب الكتّاب الذين حاز بعضهم على جائزة نوبل للآداب مثل التركي أورهان باموك، في بيان لهم بإعادة اكتشاف الطواعية السياسية، أو تقبل أن “الاستياء والكراهية وموكبهما من الشغف المحزن ستحيط بنا وتغرقنا”.

مخاوفهم من التخلي عن الاتحاد دفعتهم إلى العمل من أجل إيقاف المدّ الشعبوي الذي يهدد أوروبا، خشية من فاجعة ما أسماه البيان “انتصار المخربين، وخزي أولئك الذين ما زالوا يؤمنون بدانتي وإيراسموس وغوته، وازدراء الذكاء والثقافة، وانفجار العداء للغرباء والسامية”.

أوروبا الموحدة لا تعني الأوربيين وحدهم، كما يعتقد باموك أحد الموقعين على البيان، فمن دون الفكرة الأوروبية فإنه يصعب الدفاع عن الحرية وحقوق المرأة والديمقراطية والتساوي في كثير من دول العالم، ويقول “لا توجد قيم أخرى أوروبية إلى جانب هذه القيم، إلا إذا اعتبرنا أوروبا هي الأعمال والسياحة”.

الدلالة في الاتحاد ليس في الـ27 بلدا، وإنما في القيمة التي يمثلها بدءا من العملة الموحدة وانتهاء بالطرق المفتوحة بين الأعضاء، لذلك تبدو فكرة راتشمان عن الاتحاد أشبه باستمرار ملء كيس بأفكار جونسون الشائنة والمناهضة لأقوال بروكسل.

يعتقد راتشمان أن الانقسامات الداخلية التي تمزق الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أقل قوة من الضغوط الخارجية التي تدفعها باتجاه بعضها البعض، وهو يعني في ذلك روسيا أولا والصين والولايات المتحدة بدرجة أقل.

الاتحاد الأوروبي يعاني من اهتزازات تصيب فكرة الوحدة بالإحباط على مستوى العالم، سيكون بريكست مثالا لمن يزعمون في العالم العربي، ألّا نتحد أفضل بكثير من أن نقضي السنوات في العمل العربي المشترك لنصل في النهاية إلى التفكك والتقاتل. هاهي أوروبا التي تحمل أفضل النماذج الوحدوية في التاريخ أقرب إلى التفكك!


كرم نعمة