اعتمدت وسائل الدعاية الغربية صورة نمطية للإنسان العربي صنعها المستشرقون والجواسيس وراقت للعامة بمفرداتها القليلة المبسطة التي لا تعبر إلا عن حياة خاوية، تفتقر إلى الخيال والرغبة في التغيير. حياة تقع خارج الزمن، يعيشها العربي كما لو أنه أحد أبطال فيلم الرسالة الذي أخرجه السوري الراحل مصطفى العقاد والذي قُتل في تفجير انتحاري نفذته امرأة قادمة بفكر تلك العصور المتخيلة.

العربي بالنسبة لوسائل الدعاية الغربية لا يمكن أن يفارق صورته المتخيلة. فهو صنيعها الذي يجب أن يتحقق على أرض الواقع. ليس من حق العربي أن يغادر حدود تلك الصورة. بئر نفط وجمل وعقال تتبعه بقعة سوداء هي امرأته ونخلة في واحة تقع وسط صحراء لا نهاية لها. ذلك هو العربي الشرير والخبيث والبخيل والماكر وفي الوقت نفسه الساذج الذي يلعب بعقله غنج مس بيل وخنوثة لورنس.

وإذا ما أردنا الحق فإن الغرب نجح عبر عقود من السنوات في تأبيد تلك الصورة وترسيخها حتى حين كان مضطرا لأسباب تتعلق بمصالحه إلى تصدير التقنيات الحديثة إلى العالم العربي. فدول الخليج وفي مقدمتها السعودية هي أسواق لا يمكن الاستغناء عنها لذلك كان الاستهلاك شعارا لحياة يمكنها أن لا تستجيب لقيم الإنتاج على مستوى الزمن المنظور. صورة العربي مستهلكا لا تخرج عن نطاق صورته النمطية. فهو لا يزرع ليأكل ولا يبني ليسكن ولا يفكر بمستقبله لكي يتأكد من أنه لا يزال حيا.

كانت المملكة العربية السعودية هي قلب تلك المعادلة التي اعتقد الغرب جازما أنها لن تتغير. ما كان في إمكان الغرب أن يتخيل أن العبث في تلك المعادلة ممكن وبالأخص بعد ظهور الخميني بجمهوريته الإسلامية التي استندت إلى التشدد الشيعي الذي فرض على السعودية تشددا سنيا، كان في حقيقته مناسبة للانفتاح على متاهة طائفية لن تسمح للسعودية بمغادرة موقعها التقليدي والانتماء إلى العصر الحديث، بمعناه الإنتاجي لا بصيغته الاستهلاكية التي تخدم الشركات الغربية.

بالنسبة للغرب فإن سعودية تخضع لسلطة "المطاوعة" هي السعودية المطلوبة. وهو ما كان جمال خاشقجي ينادي به جهارا ومن خلفه الواشنطن بوست وهي واحدة من أكبر صحف الولايات المتحدة.

السعودية التي يريدها الغرب هي الدولة التي تخضع لسلطة رجال الدين بشرطتهم التي تحكم على الناس بالشبهات وتراقب حركاتهم من خلال قانونها في الحلال والحرام.

كان مطلوبا أن لا تغادر السعودية ذلك الموقع.

لذلك فإن ظهور الأمير محمد بن سلمان، وليا للعهد لم يكن مفاجأة سارة بالنسبة للكثيرين. فالأمير الشاب يرغب في أن يقود سعودية تقع خارج الخيال الإستشراقي. فهي سعودية السعوديين الجدد الذين لم يتعرف عليهم الغرب وحين تعرف عليهم حاول أن ينكر وجودهم بشتى الطرق.

لذلك لم يتفاعل الغرب إيجابيا مع رؤية 2030 التي طرحها الأمير محمد بن سلمان وكان في انتظار لحظة الاجهاز عليها. فالسعودية التي يمهد محمد بن سلمان لولادتها هي ليست سعوديتهم ولن تكون صورة العربي النمطية حاضرة فيها. هي سعودية السعوديين ومن ورائهم العرب وليست سعودية الغرب.

ولهذا يمكن القول إن الحملة الشرسة والمبتذلة على الأمير الشاب هي حملة على سعودية لا يريدها الغرب. ذلك لأنها تعلن عن هويتها خارج أطر الصيغ الجاهزة.

وقد يبدو الامر كما لو أنه تعبير عن سوء فهم. غير أنه ليس كذلك.

لقد استبعدت المملكة العربية السعودية من مكانها الحقيقي زعيمة للعالم العربي زمنا طويلا وكان ذلك أمرا مريحا بالنسبة للغرب. اما حين قررت السعودية أن تنفتح على العصر فكان ذلك اعلانا عن استعادتها لدورها الحقيقي في قيادة العالم العربي نحو الانفتاح الحر.

السعودية التي يكرهها الغرب هي السعودية الحرة. هي سعودية السعوديين الذين يتعاملون إيجابيا مع تحولات العصر بطريقتهم الخاصة.


فاروق يوسف