من المؤكد أن عمليات تشخيص وضعية المرأة في العالم العربي أسالت الكثير من الحبر، وأن دراسة عوامل القوة الداعمة لإدماج النوع الاجتماعي شكلت مواضيع دسمة للندوات والموائد المستديرة، كالتأهيل والاستقلال المادي والإعلام، ودينامية المجتمع المدني والإرادة السياسية، من خلال سن قوانين دستورية وأخرى تنظيمية وعادية تتسم بالوضوح والجرأة بدل سن العبارات الغامضة الفضفاضة على غرار "تسعى ويتعين"، واستبدالها بصيغة الوجوب حتى لا يتم التحايل عليها اعتبارا لقاعدة الجواز بدل الوجوب، علما أن من بين عوامل القوة المقيدة المعيقات السوسيوثقافية، والعقلية الذكورية والعنف السياسي، إذ أنه حتى في حالة وصول المرأة إلى البرلمان فإنها تتعرض للعنف السياسي، وتحرم فيه من رئاسة اللجان ومن مواقع المسؤولية في أغلب الحالات، نظرا لهيمنة ثقافة الأعيان والزبونية، واعتبار المرأة أداة تأثيث، وتنامي عقليات التعصب القبلي والعشائري والتصادم الأناني، ولعل أهم عوامل القوة المقيدة ظلم بعض الأحزاب، التي تعتبر بوابة البرلمان بالنسبة إلى المرأة، وحرمانها من التزكية وعدم تقديم الدعم لها إلا نادرا، وانتصارها فقط لسلطة المال لضمان الحصول على المقعد تكريسا لمبدأ الدكاكين الانتخابية في ضرب صارخ لتأطير المواطن وخدمة الصالح العام، ناهيك عن النظرة الدونية للمرأة وحصر مهامها في الدور الإنتاجي الذي يتعلق بإنتاج السلع بغرض الاستهلاك أو تحقيق الدخل من خلال العمل في البيت أو خارجه، والدور الإنجابي المتعلق بالمهام المنزلية أو الاسرية المرتبطة بإنجاب الأطفال، بالإضافة إلى الإدارة المجتمعية، وتتعلق بالمهام والمسؤوليات المنفذة لصالح المجتمع المحلي، وأحيانا في العالم القروي، وتتعلق بالعناية بالأراضي الزراعية والفلاحة.

لا ننسى أن من بين العوامل المقيدة تكليف المرأة بمواضيع ولجان المرأة والطفل فقط، وحرمانها حتى من البرامج الإذاعية والتلفزية المتعلقة بالسياسات العمومية والمواضيع الدستورية والقانونية المحورية، وحصر أدوارها في ملهيات ثانوية، بل حتى من خلال استقراء التشكيلات الحكومية فإن الحقائب المسندة إليها تهم فقط الجانب الاجتماعي وما له ارتباط بالأسرة والتضامن في أغلب الحالات.

ومن بين عوامل القوة المقيدة للمرأة عدم تشجيعها وإبراز قدراتها ومجهوداتها، وتحطيم الإعلام لها والسخرية منها والتركيز على أي فعل قد يعتبر عاديا بالنسبة إلى الرجل، مثلا قضية النائبة البرلمانية التي تم تأنيبها والتشهير بها لا لشيء إلا لأنها غيرت مظهرها، وبدل محاسبتها على حصيلتها مهما بلغت إيجابياتها، راح الكل يقتحم خصوصياتها وحريتها الشخصية، ولم لا التهديد بهدر دمها مجازا طبعا، في الوقت الذي يتم غض الطرف عن وقائع أخلاقية ارتكبها مسؤولون بنفس حزبها بدون تأنيب أو تشهير أو جلد، علما أن الكفاءة لا تطرح بحدة إلا لما يتعلق الأمر بالمرأة، والحال أن الرجل السياسي إذا كان أميا فإن المجتمع يستسيغ ذلك، إضافة إلى ذلك عدم مساندة المرأة للمرأة، وانعدام التضامن بينهن، ونقص الثقة في النفس، وانعدام تملك القدرات البرلمانية في التشريع بالنسبة إلى بعضهن، بل إن تصادم الأنانيات يحتد لما يتعلق الأمر بالنوع الاجتماعي، الشيء الذي جعل ثقافة محاربة المرأة للمرأة موضوعا تثيره جميع البرلمانيات من جميع الأقطار في مختلف اللقاءات والمنتديات، الشيء الذي يتعين معه مواجهة هذه المعضلة.

وإذا حللنا ما يعرض في بعض الفضائيات استنتجنا أن بعض البرامج والخطابات الدينية ما زالت تكرس الصورة النمطية للمرأة وتضرب مبدأ المساواة، لذلك يجب أن تكون هناك خطة حتى لا يتم الترويج لفتاوى خاطئة، ولا ننسى أن جل الكتب المدرسية والقصص تضع نماذج ناجحة للرجال فقط، ونادرا للنساء. والأندية الرياضية لها دور ريادي على اعتبار أن النوادي تهتم بالأساس بالذكور دون الإناث، مع ملاحظة نقص التمويل أو انعدامه لما يتعلق الأمر بالقضية السياسية الداعمة للمرأة. وللإشارة، فإن المشاركة السياسية للنساء في الأحزاب والنقابات والمؤسسات المنتخبة تعتبر مبدأ أساسيا لتفعيل المواطنة وترسيخ قيم الديموقراطية وتطوير الحكامة الجيدة. ومشاركة النساء لا تعني فقط اعتبارهن خزانا انتخابيا يرفع الأعداد أو مجرد ورقة انتخابية خلال فترة الانتخابات تخدم مصالح معينة، وإنما تعني الخيار المنطقي والاختيار الديموقراطي من أجل صنع القرار والتوجهات والقرارات التنموية للبلاد.


سليمة فراجي