لطالما راودني الشك في براءة هذه المنظمة، وكنت دائما أعتبرها محضنا لسياسات وإيديولوجيات تجد فيها دول العالم الأول، القوي تكنولوجيا وعسكريا واقتصاديا، ضالتها لبسط المزيد من النفود والهيمنة على دول ما يصطلح عليه بالعالم الثالث، ولممارسة "استعمار عصري" يجعل الدول الضعيفة عسكريا واقتصاديا وسياسيا وديمقراطيا أكثر رضوخا وانبطاحا لرغباتها الدفينة التي تحكمها سياسات وأيديولوجيات "عابرة للقارات".

واليوم وبعد أن طلبت، حتى لا نقول أمرت، المنظمة العالمية للصحة من الدول العربية، ومنها المغرب طبعا، أن تعمل جاهدة على منع أطبائها في القطاعين الخاص والعام من تقديم شهادة العذرية للنساء عموما وللفتيات المقبلات على الزواج خصوصا. طبعا هذا التحديد الأخير لم يرد في ثنايا طلب المنظمة العالمية للصحة، ولكن يُفهم من السياق المحلي المغربي.

وطبعا كعادة ريما المتشبثة دائما بعادتها القديمة، لم يصدر إلى حدود كتابة هذه السطور أي رد فعل رسمي حيال هذا "التهجم على الخصوصيات الوطنية"، والرغبة غير المفهومة في بتر مكون من مكونات هويتنا كمجتمعات إسلامية يشكل فيها الإدلاء بشهادة العذرية أمرا عاديا لما فيه من ضمانات الاستقرار الأسري بعد الزواج، الذي تشكل الثقة والصراحة فيه إحدى لبنات استمرار علاقة قوية ومتماسكة بين الزوجين منذ الوهلة الأولى؛ وما الإدلاء بشهادة العذرية إلا شكل من أشكال التعبير عن حسن نية طرف حيال طرف آخر، من المفروض أنه سيشاركه مسار حياته، وهذا أمر لا تدرك كنهه مكونات أو على الأقل بعض مكونات المنظمة العالمية للصحة.

قد يعتبر البعض أن طلب المنظمة العالمية أمر عادي يجري وفق اتفاقيات دولية سبق أن صادقت عليها الدول العربية، ولا مناص لدولة كالمغرب من أن تقبل بهذا العرض المفروض من مؤسسة عالمية لها من النفوذ والقوة ما يؤهلها لخلق مشاكل عديدة للمغرب هو في غنى عنها. وإذا سلمنا بهذا الطرح فإن علامات استفهام كبرى تفرض نفسها، وتتمثل في السؤال الحارق الآتي: لماذا تصاب هذه المنظمة العالمية للصحة بالخرس والشلل كلما تعلق الأمر بإدارة من حجم الإدارة الأمريكية التي تنسحب اتباعا من اتفاقيات ومعاهدات كلها أُبرمت لتصب في مصلحة صحة الإنسان، والمؤتمر العالمي للمناخ نموذجا، واستمرارها في تطوير أسلحة الدمار الشامل نموذجا ثانيا؟؟ ماذا لو رضخت الدولة المغربية لطلب المنظمة العالمية للصحة؟ السؤال الحارق الثاني يقتضي وجود استعداد الدولة للإجابة عن سؤالين جوهرين:

1 ـ كيف ستبرر الدولة المغربية هذا الرضوخ والإذعان؟.

2 ـ هل سيستجيب الشعب المغربي لطلب المنظمة الدولية للصحة؟.

أسئلة تبقى معلقة في انتظار رد فعل رسمي يؤكد هذا الرضوخ أو ينفيه، في انتظار ذلك من حقنا أن نتساءل هل من الديمقراطية والعدل والأخلاق أن يتم حرمان مواطنة مغربية طالبت بشهادة عذرية لغرض أو لآخر؟ هل طلب شهادة العذرية من المصالح المختصة يتعارض مع ما تنص عليه قوانين البلاد ودستورها وشرعها الإسلامي؟

إن المنظمة العالمية للصحة تكاد تكون غائبة في بؤر توتر تُنتهك فيها حقوق الإنسان في تمتعه بصحة جيدة وبيئة تتوفر فيها شروط الصحة البدنية والنفسية لهذا الإنسان، في الوقت الذي نجد هذه المنظمة منشغلة بـ"النضال" من أجل حرمان المواطنات العربيات والمغربيات من شهادة العذرية؛ الشهادة التي من شأنها أن تسهم في الحفاظ على صحة المرأة والرجل في آن واحد، الشهادة التي لها منافع جمة ولا آثار سلبية لها على كرامة المرأة كما تدعي هذه المؤسسة العالمية.

إن وضع المنظمة العالمية للصحة، وهي تطالب الدول العربية بمنع الأطباء من منح شهادات العذرية للنساء المسلمات تحديدا، يطرح أكثر من علامات استفهام. إنه وضع يشبه إلى حد بعيد وضع "المؤذن في مالطا"، فحتى إن سمعت الدولة المغربية هذا الأذان واستحسنته على مضض طبعا، فأكيد أن شرائح واسعة من المجتمع المغربي ستلمس شذوذ هذا الأذان.. وستتعامل معه على هذا الأساس.


 

حسن زغلول