لكن مؤخرا عاد هذا الجدل ليطفو على السطح من جديد بعد تصريحات بعض قيادات الاتحاد في خصوص الانتخابات و خاصة تصريح الامين العام نورالدين الطبوبي الذي قال في تصريحه لقناة تلفزية محلية "إن الاتحاد معني بالانتخابات القادمة"، تصريح أثار عديد التساؤلات حول الشكل الذي سيتبناه الاتحاد للمشاركة في الانتخابات، هل سيدخل المعترك الانتخابي بقائمات مستقلة أم سيوجه منظرويه لانتخاب طرف ما. لكن هل يمكن للاتحاد التموقع كماكينة إنتخابية ثالثة إلى جانب الإسلاميين والتجمعيين؟
في تصريح لأحد وسائل الاعلام المحلية قال أحد قياديي الاتحاد العام التونسي للشغل إن الاتحاد العام التونسي لن يقف مكتوف الايدي في الانتخابات القادمة ، تصريح لاقى الكثير من الانتقادات ، لكن للاتحاد العام التونسي للشغل تاريخ عريق في المعترك السياسي في تونس فالاتحاد كان ممثلًا بـ19 نائبًا في المجلس القومي التأسيسي سنة 1956، كما أنه بين 1956 و انتخابات 2009 كان الاتحاد ممثلًا بصفة دائمة في الهيكل التشريعي، وكان ممثلاً أيضًا في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة التي تشكلت إبان الثورة، وأشرف على الحوار الوطني سنة 2014، عدا عن تولي نقابيين حقائب وزارية. لكن العزم على دخول إنتخابات 2019 لا يزال يفتقر إلى تصور واضح ، سامي الطاهري الناطق الرسمي بإسم الاتحاد العام التونسي للشغل قال في تصريح للميادين نت إن قيادات الاتحاد لا تزال تفكر في تصور واضح لشكل المشاركة في الانتخابات " يمكن ان يدخل الاتحاد في الانتخابات سواء عن طريق قائمات مستقلة أو بدعم قائمات أو في شكل إئتلافات كل الخيارات مطروحة حتى الان" . على الجانب الاخر قالت رئيسة الاتحاد الوطني للمراة التونسية إن إتحاد المرأة قرر الدخول في شكل قائمات مستقلة للانتخابات القادمة و التي ستعقد في خريف العام 2019 . 
ويقول سامي الطاهري للميادين نت أن جذور قرار المشاركة في الانتخابات تعود إلى الوضعية الصعبة التي تعيشها تونس " لقد عشنا تجربتين إنتخابيتين في كل مرة تفرز العملية الانتخابية نوابا يصوتون على قوانين ضد مصالح المنظمة الشغيلة، سندعو منضورينا إلى عدم التصويت لفائدة الاحزاب التي فازت في إنتخابات 2011 و إنتخابات 2014 ". تصريح الناطق الرسمي لاتحاد الشغل يثبت أن الاتحاد و حتى في حالة عدم مشاركته في شكل قائمات مستقلة ، سيدعو منضرويه إلى عدم التصويت لفائدة حركة النهضة و حزب نداء تونس. و تتحمل حركة النهضة النصيب الاكبر لما ألت إليه الاوضاع، فالنهضة كانت الفائز في إنتخابات 2011 كما دخلت في عملية توافق مع الفائز في إنتخابات 2014 وهو ما يعني تواصل السيطرة على مقاليد الحكم .من 2011 و حتى اليوم . 8 سنوات كانت كفيلة بأن تنهار جميع المؤشرات الاقتصادية و تتراجع جميع القطاعات الحيوية للمواطنين كالصحة و التعليم و النقل إضافة إلى تراجع نسبة الطبقة المتوسطة. سامي الطاهري يرى أيضا أنه قبل 2011 كانت تونس تعاني تصحرا حزبيا (عدم وجود أحزاب معارضة) لكن اليوم أصبحت تعيش تصحر رؤى و افكار " 215 حزبا في تونس دون برامج دون رؤى و دون مواقف، على المنظمة الشغيلة أن تقوم بدورها و الصندوق مناسبة للفرز" . لكن في المقابل يرى المحلل السيايسي محمد صالح العبيدي في تصريحه للميادين نت أن عملية دخول الاتحاد العام التونسي للشغل في الانتخابات عن طريق قائمات مستقلة هي عملية صعبة جدا " بالمنطق الكلاسيكي غير ممكن إجرائيا لأن تركيبة الاتحاد تختلف عن تركيبة اي حزب "
وتعيش تونس أزمة إجتماعية متواصلة منذ سنوات تتمثل في الارتفاع الكبير لنسب البطالة إضافة إلى تفشي مظاهر البؤس و الشقاء و إرتفاع مؤشرات الفساد في ظل غياب حلول رغم أن أكثر من 10 حكومات تعاقبت على تونس، في المقابل ينصب كامل إهتمام رئيس الحكومة يوسف الشاهد في إطلاق حزبه الجديد للتحضير للانتخابات القادمة و إستغلال مؤسسات الدولة للترويج له ما جعل الازمة تتعقد و تشتد أكثر.
بعد الثورة حاولت العديد من الاحزاب إستغلال ورقة الدفاع عن حقوق المراة، كما أن رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي لطالما تفاخر بأن أغلب منتخبيه كانوا من النساء ، من هنا يبدو أن إتحاد المراة قد تفطن إلى عملية توظيف المراة من قبل الاحزاب و قد قرر الاحتفاظ بأصوات النساء لنفسه. تنتشر فروع إتحاد المراة في كامل أنحاء الجمهورية و يرى بعض المحللين أن بإمكانه الفوز بالنظر إلى امتلاكه صورة إيجابية في عقول النساء التونسيات.
يمتلك الاتحاد العام التونسي للشغل أكثر من مليون منخرط وهو عدد هام جدا ، حيث أن أحزابا في 2014 تمكنت من الفوز في الانتخابات بعدد أصوات يقارب الـ400 ألف ناخب فقط كما أن دعوة إتحاد الشغل و إتحاد المراة لها عدد من الايجابيات أهمها أنهما سيرفعان من نسبة المشاركة في الانتخابات في مقاومة ظاهرة العزوف الطاغية على البلاد منذ إنتخابات 2014 ،لكن في المقابل يخشى محللون من ضياع العمل النقابي وسط العمل السياسي . وحسب توقعات الخبراء فإن الاتحاد حتى لو لم ينجح في قلب المشهد السياسي فإنه سينجح دون شك في قلب معادلة الدولة القائمة على الليبرالية وسيحافظ على الاقل على المكاسب التاريخية.


عبد السلام هرشي