اعتقلت السلطات السودانية سارة نقدالله الأمينة العامة لحزب الأمة السوداني أكبر أحزاب المعارضة السودانية وأم سلمة المهدي ابنة زعيم الحزب الصادق المهدي إضافة إلى عشرات المعارضين، في خطوة من شأنها أن تؤجج الاحتجاجات الشعبية المنادية برحيل نظام الرئيس السوداني عمر البشير.

وأوضح الحزب في بيان أن القياديتين في الحزب "اعتقلتا خلال تنفيذ وقفة احتجاجية بالعاصمة الخرطوم اليوم (الثلاثاء) ".

وقال حزب الأمة، إن القوات الأمنية تعاملت مع المحتجين "بعنف مفرط واعتقلت عشرات المواطنين الذين عبروا عن رأيهم بسلمية".

وأعلن البيان اعتقال "القيادية بالحزب الجمهوري (معارض) أسماء محمود محمد طه، والمحامي والناشط الحقوقي البارز نبيل أديب، إلى جانب عدد آخر من النساء والرجال" دون ذكر عددهم.

وأكد حزب الأمة أن "ثورة الشعب مستمرة وتكسبها الأيام صمودا أسطوريا وتقدما تراكميا، وإن القمع والبطش والقتل والاعتقالات لن تثني عن المضي قدما بكل بسالة".

وأشار البيان إلى "اعتقال أكثر من 80 من أعضاء وقيادات حزب الأمة"، منذ بدء الاحتجاجات.

وأضاف "بلغت الاعتقالات الآلاف بين المتظاهرين والنشطاء والسياسيين والمهنيين والإعلاميين".

وفي وقت سابق الثلاثاء، فرقت الشرطة السودانية والقوات الأمنية وقفات احتجاجية بالعاصمة الخرطوم، نظمها محامون ومعلمون وخريجو جامعة، بحسب شهود عيان.

وقال تعميم صادر عن نائب رئيس حزب الأمة المعارض، مريم الصادق، أن جهة مجهولة اعتقلت الأمين العام لحزب الأمة، سارة نقدالله، وأم سلمة ابنة الصادق المهدي، وتم اقتيادهما لجهة غير معلومة، مؤكدا أن الاعتقالات طالت اليوم عدد من المشاركين في وقفة التجمع الاحتجاجية بشارع الجمهورية في قلب العاصمة الخرطوم من بينهم القانوني نبيل أديب.

اقتياد سارة نقدالله لجهة غير معلومة

ولم يفلح البشير في تهدئة الأوضاع والاحتجاجات عبر إعلانه يوم الاثنين عن حزمة إجراءات منها إلغاء ضريبة القيمة المضافة عن التمويل الأصغر واسترداد أراض مخصصة لمستثمرين كبار لم يستغلوها لتوزيعها على المنتجين الصغار.

ونفذ مهنيون بتخصصات مختلفة قانونية وطبيبة وصيدلية وأكاديمية وفي مواقع متفرقة في العاصمة، سلسلة من الوقفات الإحتجاجية ظهر اليوم الثلاثاء، ضمن دعوات تجمع المهنيين السودانيين في إطار تحركاته لإسقاط نظام البشير.

ونشط الأمن في عمليات الاعتقال بينما أطلقت الشرطة السودانية الغاز المسيل للدموع لتفريق تلك الوقفات في الخرطوم، من بينها مسيرة لمئات المدرسين الذين كانوا يحتجون في على مقتل زميل لهم أثناء احتجازه وسط استمرار التظاهرات والتجمعات ضد حكم البشير.

وطالب تجمع المهنيين السودانيين على مواقع التواصل الاجتماعي بتنحي البشير عن الحكم وكتب على تويتر "الآن وقد طفح الكيل وبلغ السيل الزبى.. ووصلت السودان إلى منعطف ترى فيه قطاعات واسعة من الشعب أن سير الحياة السليم واستقرار البلاد واستتباب أمنها ووحدة أراضيها لا يمكن أن يكون إلا بتغيير المنظومة الحاكمة".

وتجمع المدرسون قرب وزارة التعليم في الخرطوم احتجاجا على مقتل زميل لهم في ولاية كسلا شرق البلاد، بحسب ما ذكر شهود عيان أضافوا أن شرطة مكافحة الشغب أطلقت الغاز المسيل للدموع لتفريقهم.

وتوفي أحمد الخير (36 عاما) من حزب المؤتمر الشعبي الإسلامي، أثناء احتجازه بعد أن اعتقله عناصر الأمن الأسبوع الماضي بسبب الاحتجاجات، طبقا لما ذكره أحد أقاربه السبت.

وتدفق زملاؤه إلى الشوارع وهتفوا "حرية سلام عدالة"، بحسب شاهد عيان أضاف أن "العديد منهم حملوا صور الخير الذي توفي أثناء احتجازه".

ودعا حزب المؤتمر الشعبي الإسلامي المشارك في حكومة البشير إلى إجراء تحقيق في مقتل المحتجين. فيما دعا فرع الحزب بولاية كسلا شرقي السودان، فض الشراكة مع حزب المؤتمر الوطني والانسحاب من الحكومة بكسلا احتجاجا على وفاة المدرس.

كما أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع على تظاهرة منفصلة نظمها خريجو جامعة الخرطوم، حسب شهود عيان. وقال أحد الشهود إن "الطلاب حاولوا الانطلاق بمسيرة، لكن تم تفريقهم بالغاز المسيل للدموع".

وفي ذات الاتجاه التزمت عدد من صيدليات الخرطوم بقرار الإضراب الذي عممته لجنة الصيادلة المركزية، وعملت على إغلاق أبوابها منذ ساعات الصباح، حيث ينتظر أن يرفع الإضراب في الغد.

وأظهرت تسجيلات فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي أطباء يحملون لافتات تدعو البشير للاستقالة.

ونظم نحو 200 من المحامين مسيرة منفصلة في الخرطوم، إلا أنه تم تفريقهم بسرعة بالغاز المسيل للدموع، بحسب محام.

وقال المحامي طالبا عدم الكشف عن هويته "أردنا أن نقدم عريضة لرئيس القضاة تدعو إلى حرية التعبير والإفراج عن المعتقلين (…) لكن شرطة مكافحة الشغب أطلقت علينا الغاز المسيل للدموع مما اضطرنا للتفرق".

في المقابل أعرب رئيس مجلس الوزراء معتز موسى عن تمسكه بضرورة إجراء الحكومة حوارا مباشرا مع الشباب المحتجين.
وخلال زيارته وزارة النفط والغاز والمعادن، شدد موسى على ضرورة "إيجاد العذر لبعض الشباب غير المسيسين، الذين خرجوا في احتجاجات، اعتراضا على الأوضاع المعيشية خلال الفترة الماضية".

وأقرّ بوجود صعوبات معيشية يعاني منها الشباب، لاسيما بعد انفصال جنوب السودان، عام 2011، وفقدان السودان لموارده النفطية.

وتحولت الاضطرابات، التي اندلعت منذ 19 ديسمبر عقب قرار الحكومة رفع أسعار الخبز ثلاثة أضعاف، إلى احتجاجات عمت البلاد ضد حكم البشير المستمر منذ ثلاثة عقود، حيث يطالب المتظاهرون باستقالته.

ويقول المسؤولون الحكوميون إن 30 شخصاً قتلوا في التظاهرات، بينما أعلنت منظمة هيومن رايتس ووتش أن 51 شخصاً قتلوا خلالها.

والأربعاء الماضي، أعلن حزب الأمة أن السلطات أوقفت نائب رئيس الحزب السيدة مريم الصادق المهدي قبل أن يتم الإعلان في وقت لاحق الإفراج عنها.

ومنذ 19 ديسمبر/كانون الأول 2018 تشهد البلاد احتجاجات منددة بالغلاء ومطالبة بتنحي الرئيس عمر البشير، صاحبتها أعمال عنف أسفرت عن سقوط 31 قتيلا، وفق آخر إحصائية حكومية، فيما تقول منظمة العفو الدولية إن عدد القتلى 40 ويقدر ناشطون وأحزاب معارضة العدد بـ50 قتيلا.

وسبق أن أقر الرئيس عمر البشير عبر تصريحات متفرقة بالتزامن مع موجة الاحتجاجات الحالية بوجود مشاكل اقتصادية يعاني منها السودان، لكنها ليست بالحجم الذي تضخمه وسائل الإعلام "في مسعى منها لاستنساخ ربيع عربي في السودان".

وفي 29 يناير/كانون الأول الماضي، أعلنت السلطات السودانية أنها قررت الإفراج عن جميع معتقلي الاحتجاجات وهو ما شككت به المعارضة.

وصعدت السلطات السودانية قمعها للمسيرات الاحتجاجية بعد يوم من إعلان البشير حزمة إجراءات اقتصادية حاول من خلالها امتصاص الغضب الشعبي الذي يسود البلاد منذ أسابيع.