أثارت انتباهي قبل قليل وأنا أبحر على "فيسبوك" عبارة جميلة لكنها تستحق منا بدل التفكير الطويل الكثير من الفعل الايجابي. ما هي هذه العبارة؟.. "جمعة مباركة".

نكتب هذه السطور واليوم جمعة، ونتمنى فعلا أن تكون مباركة وجالبة للخير والسلام لملايين الناس في كل أرجاء العالم، لكن بعيدا عن عبارات التمني، نحتاج إلى الكثير من الفعل الإنساني الطيب يوم الجمعة وفي سائر الأيام.

إن "فيسبوك" أصبح مجالا رحبا لتبادل الكثير من العبارات والجمل والأخبار الجادة، وفي مرات كثيرة التافهة... كل هذا مفهوم. لكن ماذا أعددنا ليومنا هذا، لأسبوعنا، للشهر الحالي، بل ما هي استراتيجيتنا على مدار عام كامل؟

في عام 1996، كنت مسافرا في القطار الرابط بين فاس والرباط، وكانت لي محادثة ملهمة لن أنساها ما حييت مع أحد رفقاء السفر. كنت يافعا آنذاك، لم أكمل بعد السادسة عشرة من عمري، وكان "جاو"، المنحدر من البرتغال والمقيم في الولايات المتحدة، الذي جاوز سنه الخامسة والأربعين، هادئا، عميق التفكر طوال مدة السفر، وكان هو الذي بادرني بالحديث:

- إن سفرنا هذا لا يساوي شيئا في نهر الحياة المتدفق المليء بالتجارب والخطط والترحال والتعلم الدائم. ثلاث ساعات دون احتساب التأخير المحتمل للقطار... إن أفضل خطة لتزجية هذه السويعات تبادل الأفكار مع شخص لطيف مثلك والاستغراق في التأمل والصلاة. هذا العالم عجيب ولا نهائي ومدعاة للتفكر. يجب أن لا نتوقف عن الصلاة...

لم أرد أن أتكلم كثيرا في حضرة هذا الرجل الروحاني المفعمة روحه بالإشراقات، بل فضلت الاحتماء بالصمت، فصمت قليل ولو لدقائق معدودة أفضل من ألف كلام. وبعد ساعة من التأمل، وضع جاو إنجيله جانبا وقال لي:

- عندما هاجرت إلى الولايات المتحدة للعمل لم تكن البداية سهلة كما تخيلت. كان لزاما عليّ بذل الكثير من الجهود في تلك الحياة المادية الطاحنة، في ذلك البلد الشاسع الذي لم يكن مرادفا فقط للحلم الأمريكي، بل أيضا للتحدي ولتجاوز الذات. كانت حياتي عملا دائما واجتهادا متواصلا والأهم من هذا وذاك مجالا للتفكر والارتباط بالخالق وكان ذلك يمنحني طاقة هائلة ويذلل لي الكثير من الصعاب...

إني لن أنساك يا جاو...

إن عالمنا عجيب ولا نهائي ومدعاة للتفكر. يجب أن لا نتوقف عن الصلاة... كلامك صحيح يا جاو، وايمانك المسيحي النقي لا يختلف عن نظيره لدى الملايين من المسلمين المشحونة قلوبهم بحب الله رب العالمين. إلهنا واحد يا جاو. بل أكثر من ذلك، فإنني أعتقد من صميم القلب بأن الخالق العظيم له رسالة واحدة لكل البشر مهما اختلفت مشاربهم وعقائدهم...

ان أديان البشر شتى لكن ربهم واحد... إن إلهنا واحد وهويتنا الواحدة العميقة أن نخلص في حبه ونعشقه بكل جوارحنا ونمتثل له ونكون من عباده وجنوده المصلحين في الأرض...


 

مهدي عامري