الحياة قصة غريبة الأطوار، وكل واحد منا يعيش تجربته الخاصة، نعترف فقط بالقليل ونخبئ الكثير من أجل ألا نخدش ذلك البياض الذي نحمله معنا لنواجه به الآخرين، نحن ملائكة الأرض أو ملائكة على الأرض، هذه هي الصورة المنتقاة بعناية فائقة نقدمها في كل امتحانات الحياة، وماذا عن الامتحان العسير الذي يرغمنا على قول الحقيقة، أن نقدم أنفسنا بدون أصباغ، أن نعترف أننا مجرد كائنات صغيرة جدا، وهنا نحقق الرهان الكبير، أننا فعلا نقترب من جلالة الجمال.

يا للغرابة، إننا نبحث طول الوقت عن هذا الجمال، نبحث عنه في جسد المرأة الفاتن، لم نتعب بعد كل هذه السنين من الخوض فيه سرا وعلانية، إننا في حرب مفتوحة بين من يفوز بهذا الجسد، سنبقى دائما في حالة انبهار ونتوسل معانقته، سواء في الأرض أو في السماء، إنها أمنيتنا التي تظل تسكننا حتى الموت.

هل سنتوقف عن البحث؟ إننا جد متعطشين لهذا الجمال الهارب، وهنا علينا أن نحفر كل قبور الشعراء، ونسألهم واحدا واحدا عن قصائدهم الشعرية التي تغني عن عيون المرأة، عن سحر هذه العيون، كل واحد منهم وصفها بالوصف الذي هز كيانه،

عن نفسي، أحب العيون العسلية، هذا هو تعريفي البسيط للجمال عند المرأة، وهل هذا صحيح؟ إنني أحاول أن أقترب أكثر من الجمال على طبيعته، أو هكذا أريد أن أقنع نفسي، لست وحدي من يدافع عن هذا التوجه، إننا معشر الرجال أغلبنا يتحول في لحظة ما إلى شعراء فنتغنى بعيون المرأة للفوز بقلبها، لكننا سنصاب بالخيبة بسرعة عندما نعلم أن هذا القلب تم تخريبه بسبب حروب غرامية سابقة.

أيها الحائرون مثلي، أيها الباحثون عن موطن الجمال، إن قصة الجمال هي قصتنا جميعا، ستظلون مثلي تعانون، سكرى وما أنتم بسكارى، مفتونون حد النخاع في البحث عن شيء لا يمكن أن تجدوه سوى في أنفسكم، إن الجمال الحقيقي يسكننا جميعا، وكم نكلف أنفسنا عناء البحث عنه لدى الآخرين، وعندما يتعبنا هذا الآخر ويعذبنا بكبريائه وأنانيته وقبحه وسخافته نضطر للهروب بحثا عن الجمال في الفضاء الأخضر، الاستثنائي، في كل ما نسميه بالطبيعة، من أشجار عالية وسواق وبحار، وجبال وبراكين، وشلالات، وحيوانات أليفة ومتوحشة، ها نحن في لحظة نهرب من أنفسنا ونعود إلى أصل الأشياء، نعود إلى النبع الصافي لنشرب منه ونصرخ بأعلى صوتنا: ها هو الجمال، ها هي الحقيقة، ها نحن قد ولدنا من جديد...

وفي اللحظة نفسها التي نولد فيها من جديد، نتذكر الحب، فنكتشف أننا فقدنا كثيرا من الوزن العاطفي خلال فترات من حياتنا، ونشعر بالخيبة والضياع، نشعر فعلا بأننا فقدنا الطريق، فنقسوا على أنفسنا بفتح محكمة تأنيب الضمير، محاكمة ذواتنا على تجارب فاشلة، على تجارب لم نخضها ووقفنا مترددين، يا الله، إننا فعلا نبحث عن راحة من عذاب وقسوة الماضي، إننا نبحث عن الخلاص، وما هي إلا فترات حتى نجد أنفسنا نتنفس الجمال، نعم الجمال في أحلى تجلياته، فنستسلم له صاغرين...

أشعر بأن شيئا ما ينقصنا، أهو الجمال فعلا، لأنه بدونه لا يمكن أن نشعر بسحر الأشياء التي تحيط بنا؟ لا أعتقد ذلك، نحتاج للحب لأنه سوف يجعلنا نرى الأمور على حقيقتها ونتذوق الأشياء على طبيعتها، وهنا سنبلغ جوهر الجمال، وسنكتشف بعد كل هذه السنين أننا كنا مخطئين في حق أنفسنا وفي حق الآخرين.


 

عبد الكريم ساورة