من منا، نحن أبناء الطبقة الشعبية، المواطنون من الدرجة الثانية و الثالثة، الذين يشكلون الطبقة المستهلكة لما تنتجه مصانع و أراضي الطبقة اﻹقطاعية البورجوازية و إدارات الطبقة السياسية الحاكمة، لم يتعرض في يوم من اﻷيام للغش و النصب و السرقة من طرف مقاول أو بناء أو " سودور " أو ميكانيكي أو نجار أو صباغ أو كهربائي أو جباص أو خياط تقليدي أو عصري أو سمسار، وسيط في بيع و شراء السيارات و المنازل ...، ونهبوا أمواله و سلعته و جعلوه يخسر مشروعه و مصالحه بسبب التحايل و الكذب عليه. و من منا، نحن أبناء الطبقة الفقيرة و المتوسطة دائما، لم يتناول، ذات مرة أو مرات عديدة، لحم الحمير و الكلاب و القطط و الدجاج الميت، و البقر و النعاج الطاعنة في السن و المريضة و النافقة ...، على شكل كفتة أو صوصيص أو نقانق أو panini أو hamburgers أو boudin أو brochettes...، من طرف بعض الجزارين و بعض أصحاب محلات اﻷكلات السريعة و المطاعم و الحانات و بعض منظمي الحفلات...، الباحثين عن الربح السهل و السريع، باﻷماكن و المركبات السياحية و باحات اﻹستراحة و محطات المسافرين و الساحات العمومية و الداخليات ... 

وكم من خباز و حلواني يتفنن في صناعة الخبز و الحلويات مستعملا دقيقا فاسدا، منتهي الصلاحية، بعد أن غزته الديدان و عبثت به الصراصير و الجرذان، و اختلط ببوبل و براز الفئران، فقط يضيف إليه قليلا من السكر و بعض الملونات الصناعية و قطع الفاصوليا المعسلة ليصنع منه خبزا و حلويات لذيذة يبيعها للزبناء. وكم من لبان يمزج الحليب الطري و الزبدة الخالصة بحليب و زبدة اصطناعيتين، ذات جودة ناقصة. وكم من مربي النحل يضيف إلى العسل الحر العسل الاصطناعي أو المربى و بعض أنواع السكر. و كم من منتج لزيت الزيتون يضيف إليها زيت المائدة أو زيوت أخرى مغشوشة و مواد كيماوية خطيرة. أما بعض منتجي و تجار التوابل المطحونة الله وحده يعلم ماذا يطحنون ويبيعون للناس.

هذا، ناهيك عن المنتوجات المعدلة وراثيا و عن نظافة العامل و مكان العمل و اﻵلات و اﻷدوات المستعملة.

 يتصرفون كأنهم علماء فيزياء و كيمياء، يعملون بنظرية لافوازيي القائلة : " rien ne se perd rien ne se crée tout se transforme "، مبررين عملهم هذا بالمثل الشعبي : " إلا ما قتل يسمن ".

 و يبقى المثير للتساؤل و الاستغراب هو أن كل هذه الجرائم تقع يوميا في حق اﻹنسان و الحيوان بالرغم من أن لدينا، مثل فرنسا، مصالح لقمع الغش و مراقبة اﻷسعار و الجودة و السلامة الصحية للمواد الغذائية.

صناع و حرفيون و مهنيون لم يتلقوا أي تكوين مهني و لا يتوفرون على أي دبلوم أو " ضمير " مهني، كما أن كثيرا منهم أميون، بدون أي مستوى تعليمي، دراسي؛ ما يشكل خطرا على صحة و مصالح المواطنين، بل منهم من يدعي، أنه يتقن عدة حرف و مهن؛ و لكنهم في الحقيقة و الواقع لا يتقنون إلا اﻹحتيال و الدجل، إلا ما رحم ربي. مبررين مواقفهم اﻹجرامية بكثرة المنافسة و انتشار البطالة و الطرد من العمل ...

 مجرمون من نوع خاص، يعيشون في الغش و بالغش و للغش، بل الغش يجري في عروقهم، ويعلمونه ﻷبنائهم. يحلفون بأغلظ اﻹيمان أنهم " امعلمين " و "يتمسكنو حتى يتمكنو " من ضحاياهم الذين ليست لديهم دراية بالحرف الصناعية، ليأكلوا أموالهم بالباطل، و يصيبونهم باﻹفلاس، بعد أن يعيثوا في ممتلكاتهم و مصالحهم و مشاريعهم فسادا؛ حيث لا يبقى للمواطن، في ظل السيبة و سوء العلاقات اﻹنسانية و انعدام الثقة، إلا أن يوقف مشروعه من باب " اخسر و فارق "، مقابل النجاة بعقله و أعصابه.

يعملون بمنطق " الله يجعل الغفلة ما بين البايع و الشاري "، في غياب القوانين التي تحمي المواطنين من تحايل و دجل هؤلاء الخارجون عن القانون و تسمح بالقضاء على ثقافة الغش هاته، التي تسيء إلى سمعة المغرب و المغاربة في الداخل و الخارج. 

إلى أن يتخلص مجتمعنا نهائيا من هذه اﻵفة، على كل الصناع الحرفيين و المهنيين و التجار ...، إذا كانوا فعلا يؤمنون بالله و باليوم اﻵخر و هم يتسابقون إلى المساجد كل جمعة من أجل الصلاة و سماع الخطبة، خاصة و أنهم يعلمون بأن من غشنا ليس منا، و بأن الله يرحم من يعمل عملا و يتقنه و أنه لا يضيع أجر من يحسن عملا، عليهم أن يتقوا الله في إخوانهم المغاربة الذين يئتمنونهم على مصالحهم و مشاريعهم.

 و كفى من النفاق لأن نفاقهم، كنفاق سياسيينا، " طلع لينا فالراس. " 



يحي طربي