تعتبر الوكالات الحضرية مؤسسات عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية، في إطار اللامركزية المرفقية، مع إخضاعها للرقابة والوصاية الإدارية من طرف الإدارة المكلفة بالتعمير، وقد تم اللجوء إليها كأسلوب لإدارة المرفق العمومي وتفادي مساوئ وعيوب الإدارة المركزية المباشرة، المعروفة بالروتين وببطء الإجراءات الإدارية.

وإذا كانت نية المشرع في اللجوء إلى أسلوب الوكالة الحضرية، تكمن في تسهيل وتسريع الإجراءات الإدارية وتبسيطها، وتحقيق النجاعة والفعالية في الأداء للنهوض بقطاع التعمير، فإن هذا التحديث لم يوازيه إصدار  نصوص تنظيمية واضحة ودقيقة..  

وإذا أخذنا بعين الاعتبار أهمية الموارد البشرية ودورها في تدبير المؤسسة لتحسين أداء المرفق العمومي، فمن اللازم إعطاء أهمية للعنصر البشري من خلال توفير الضمانات الأساسية، لتشجيعه وتحفيزه لتحسين أدائه الوظيفي، لكن الملاحظ  أن مستخدمي الوكالات الحضرية، يخضعون لأنظمة أساسية مؤقتة، لأزيد من 20 سنة، ولا تساير التطور والدور الهام الذي أسند للوكالات الحضرية في تدبير قطاع التعمير. فهذه الأنظمة لا ترقى إلى مستوى النصوص التنظيمية، حيث تعد بمثابة أنظمة داخلية، تم اللجوء إليها لسد فراغ تشريعي في الموضوع، وأغلب مقتضياتها، يشوبها الغموض، وتتميز بعدم الوضوح والدقة، الأمر الذي سمح باتساع مجال السلطة التقديرية للإدارة وإصدارها للعديد من القرارات المتسمة في كثير من الأحيان، بالشطط في استعمال السلطة، إما خطأ لسوء تفسير القاعدة القانونية، أو عن قصد لإنزال عقوبات انتقامية في حق بعض المستخدمين، عن طريق استغلال عدم وضوح مقتضيات النظام الأساسي المؤقت.

ولقد شهدت مجموعة من الوكالات الحضرية إصدار العديد من القرارات التعسفية التي تتسم بعيوب القرار الإداري، وتتجلى غالبيتها في عيب مخالفة القانون؛ عيب عدم الاختصاص؛ عيب السبب؛ عيب الشكل؛ وعيب الانحراف في استعمال السلطة..

وفيما يخص عيب مخالفة القانون: تم إصدار مجموعة من القرارات المخالفة لقانون الوظيفة العمومية الذي يعتبر مرجعا أساسيا ينبغي الاعتماد عليه، خصوصا وأن الأنظمة الأساسية لا بد لها من احترام التراتبية القانونية في شقها المتعلق بالضمانات الأساسية.. 

ففي مجال السلطة الخاصة بالتأديب، طبقت وكالة حضرية عقوبة العزل في حق متمرن بسبب تركه للوظيفة، عوض عقوبة الإعفاء؛ وذلك راجع لعدم الإشارة في النظام الأساسي المؤقت المعمول به حاليا، لباب خاص بالمتمرنين، وتحديد العقوبات الممكن تطبيقها في حقهم، على غرار أنظمة أساسية لمؤسسات عمومية أخرى.. وكنموذج فإن الفرع الثالث (من المادة 13 إلى المادة 25) من المرسوم رقم 2.01.1637 الصادر في 2 يوليو 2001 بشأن النظام الأساسي الخاص بمستخدمي بريد المغرب، تطرق لكل ما يهم المتمرنين.. 

وبالنسبة للحالة السالفة الذكر، وأمام الفراغ التشريعي والتنظيمي الحاصل في النازلة، كان لابد من الرجوع لمقتضيات المرسوم الملكي رقم 62.68 بتاريخ 17 ماي 1968 بتحديد المقتضيات المطبقة على المتمرنين بالإدارات العمومية..

وفي نفس السياق المتعلق بالسلطة التأديبية، ينص النظام الأساسي المؤقت لمستخدمي الوكالات الحضرية على إمكانية اتخاذ العقوبات التأديبية من قبل من له منصب مسؤولية، ابتداء من منصب رئيس المصلحة، الأمر الذي يتناقض تماما مع قانون الوظيفة العمومية، فبالرجوع للفصل 65 المحدد لمجال السلطة الخاصة بالتأديب، فإنه تختص بحق التأديب، وحدها السلطة التي لها حق التسمية، بمعنى أن سلطة التعيين هي السلطة التي لها الحق في اتخاذ قرارات التأديب، وهذا ما يمكن أن نسميه بوحدة القرار، ودون ذلك فهو مخالف للقانون.. 

غير أنه بالنسبة لوكالة حضرية، بسبب تعدد المتدخلين الذين سُمح لهم باتخاذ القرارات التأديبية، تم توجيه إنذارين لمستخدم واحد على نفس الخطأ من طرف سلطتين مختلفتين، الشيء الذي أدى إلى حرمانه من الترقية، لأن الحصول على إنذارين خلال سنة واحدة، يعد بمثابة الحصول على عقوبة توبيخ، وهي عقوبة تؤدي إلى حرمان المستخدم من  الترقية في الرتبة. وفي هذه الحالة أيضا، لم يتم احترام القاعدة القانونية القاضية بعدم إصدار عقوبتين أو أكثر على نفس الخطأ، ناهيك عن اتخاذ مجموعة من القرارات الإدارية المعيبة التي حكمت المحكمة بإلغائها بسبب عيوب القرارات الإدارية السالفة الذكر.. 

أما فيما يتعلق بمنظومة الأجور، فإذا كان الأجر آلية لتحفيز العنصر البشري، فإن منظومة الأجور المعمول بها بالوكالات الحضرية تعتريها عدة اختلالات، نخص بالذكر منها: هزالة الراتب الأساسي مع هيمنة التعويضات في مكوناته، واعتماد معايير غير منصفة في أداء المنح السنوية، وتقاعد هزيل لا يسمح بضمان كرامة عيش المتقاعد. كما أنه في الوقت الذي كان فيه المستخدمون يتطلعون ويطمحون لإخراج نظام أساسي منصف وعادل، تفاجأ الجميع بإصدار تعديل مجحف وغير منصف في حق المستخدمين، يكرس فوارق في مجال تدبير المنح السنوية، وقد أثر بشكل سلبي  على اصحاب الأجور المتوسطة، وهي الفئة التي تعرضت لنقص فاق 2.000 درهم في مبلغ المنحة السنوية برسم سنة 2018، مما يدل على تراجع كبير في حق المكتسبات وفشل في سياسة تدبير ملف النظام الأساسي. وهذا الأمر كان سببا في الشعور باليأس والإحباط الوظيفي لدى الفئات المتضررة، وأدى بالعديد من الأطر إلى التفكير في المغادرة والبحث عن وظيفة أكثر استقرارا وأمانا لمستقبلهم. 

وأمام هذا الوضع، تبقى عدة تساؤلات مطروحة نلخصها فيما يلي: 

ما هي التدابير والإجراءات التي اعتمدتها الوزارة الوصية لإخراج نظام أساسي يرقى الى متطلبات المستخدمين؟!، وهل تم إشراك كل الفاعلين والنقابيين والمتخصصين في المجال القانوني والمالي لدراسة هذا المشروع؟! ولماذا لا تتم الاستعانة بتقارير مكتب الدراسات الدولي الذي كلفته وزارة إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية بدراسة منظومة الأجور بهدف وضع تصور لمنظومة جديدة حديثة ومحفزة؟!. تساؤلات سنعود لها بالتفصيل في مقالات لاحقة..》

 



نورة المومني