من الغريب أن يقوم مغاربة لشحذ السكاكين لذبح الإسلام، وهم يعلمون أنه دين حق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو مشروع تغييري تحرري أزلي لا ينتهي لا بعد خمسين سنة ولا مائة سنة، والغريب في الأمر أنهم يعلمون بأن عمره لحد الآن خمسة عشر قرنا وأن كيد الأعداء عبر التاريخ لم يزده إلا قوة على قوته كما زاد أتباعه إصرارا على نشره والدعوة إليه، ورغم ذلك فهم يحاولون المحاولة تلو الأخرى للنيل منه قصد إطفاء نوره ووقف امتداده.

والسؤال الذي وجب طرحه هو لماذا يحاربونه مع علمهم بأنهم سيفشلون في ذلك، ومع علمهم أنهم يهرفون بما لا يعرفون، ويعون بأن بضاعتهم مزجاة لا تقنع أحدا مهما امتلكوا من أساليب رنانة ومهما لحنوا في القول ونمقوا من أكاذيب لأنه بكل بساطة من لدن حكيم عليم.

وقد لا يلام هؤلاء على ما يكتبون وينشرون لكونهم تجارا منسجمين مع طبيعة أسيادهم وأولي نعمتهم، ولكن الذين يلامون هم أبناء هذا الإسلام ومعتنقوه والمؤمنون به عندما لا يبرون قلما ولا يُسمعون ركزا ولا طنينا غيرة عليه ودفاعا عنه وهم يملكون جميع وسائل ذلك، فماذا ينقص الأستاذ الجامعي الذي يدرس في شعبة الدراسات الإسلامية من علم ومن لغة وأسلوب ومن فصاحة وبيان؟ وماذا ينقص العالم والشيخ والمربي والخطيب والمثقف من معرفة للحقيقة؟ أليسوا هم من يعلمون الناس الدين وبالتالي هم على إلمام جيد به؟ فلماذا لا يحركون ساكنا ولا يسكنون متحركا؟

إن أخطر ما قيل في هذا الصدد هو أن الإسلام قضية عادلة ولكن في يد محام فاشل، أي إن أبناء الإسلام في سبات نائمون ويغطون في نوم عميق، ففي الوقت الذي تتكالب عليه الأقلام المأجورة لا يكتب الأستاذ الجامعي الذي يدرس علوم هذا الإسلام في الجامعات المغربية ردا واحدا أو على الأقل يتابع ما يكتب فيتمعر وجهه، أم سيبقى طول حياته مكتفيا بالتبخترعلى طلابه وإبراز عضلاته لهم، ولا ينبس عالم يخطب في الناس حول الدين ببنت شفة فيشحذ لسانه أو قلمه أو صوته ويسمعه لقراء هؤلاء المغرر بهم، لا يتجاوز خطابه المؤمنين الذين يقبلون منه كل شيء حتى الغث منه، لا يقرأ جريدة ولا يتابع أخبارا ولا يهمه أن يقرأ ما يكتبه المتربصون بدينه سواء كانوا كتابا غربيين ومنهم المستشرقين أو عربا مسلمين من بني جلدته، وكأن هذا الدين هو دين ثلة قليلة من المثقفين والعلماء. أو أن الدفاع عنه في هذا العصر الذي تكالب فيه الخصوم والأعداء عليه هو فرض كفاية إن قام به البعض سقط عن البعض الآخر.

لقد كان في الإمكان، عندما تم التحرش بالإمام البخاري، أن ينطلق أساتذة علم الحديث والسيرة والفقه والتشريع ويغرقوا مجلات وجرائد المغرب بمقالاتهم وتوضيحاتهم فيعرفون بالإمام البخاري وصحيحه ويشرحوا للناس وللعالم كل شيء عن الأحاديث التي اعتمدها الإمام وسبب وجود أحاديث على غير شرطه وأخرى لا تصل إلى الصحة، فيتلقف ذلك المترجمون واللغويون فيترجموا هذه المقالات إلى لغات العالم فينتشر العلم بالإمام وبمنهجه في الحديث ورحلاته وسيرته وعلمه ومشايخه وتلامذته...كما كان في الإمكان إغراق الجرائد بالحديث عن الإرث والمرأة في الإسلام وإزالة اللبس عن معنى القوامة ونقصان العقل والدين والضلع الأعوج وباقي الأحاديث التي تفهم خطأ...كما كان في الإمكان الحديث عن المسيحية بأدق ما يمكن عندما يدعي شباب مغربي أنه اعتنقها عن قناعة وعلم وما أكثر الخبراء والمتخصصون في علم مقارنة الأديان، وكان وكان وكان..

لا أعلم أحدا ناظر وكافح ونافح عن الإرث والإجهاض والفتوى والأحوال الشخصية وأي شيء ينقص من قدر الدين في هذه البلاد غير العلامة مصطفى بن حمزة، وهو الذي يعتبر بحق الصخرة التي تنكسر أمامها جميع الأطروحات التغريبية والتفسيخية التي تتدثر في رداء الحداثة والعلم والحرية والحق في الفتوى والاجتهاد والكلام في الدين بدون علم. لقد علم مسبقا هذا الشيخ العلامة أن مؤتمرا دوليا سيحل بالمغرب وهو مؤتمر البيئة cop22 فضرب ضربته الاستباقية وكتب كتابا سماه الإسلام والبيئة فترجم الكتاب إلى عدة لغات ووزع على كل زائر ومحاضر ومشارك مجانا حتى يعلم العالم كيف كان الإسلام سباقا في قضايا البيئة وأن ما يقول به لا يعرف الغرب عنه شيئا بل حتى نحن أبناء الإسلام لم نكن نعرف عن الموضوع كل هذه التفاصيل العجيبة.

وقد علم العلامة بن حمزة أن العديد من المسلمين في الغرب لا يحسنون التعامل ويسيئون كثيرا في فهم تعامل الإسلام مع الأغيار فألف لهم كتابا يرشدهم ويعلمهم ويوجههم حتى لا يزلوا أو يضلوا في تعاملهم مع الغرب والغربيين فيعطون صورة سيئة قاتمة عن الإسلام وتعاليمه فجعل عنوان الكتاب "التأصيل الشرعي للتعامل مع غير المسلمين"، ونظرا لما لاقاه هذا الكتاب من ترحاب وما حققه من انتشار ترجم إلى اللغة الفرنسية والإنجليزية والإيطالية والصينية، ومباشرة بعد خطاب العرش يوم 30 يوليو 2014 الذي تميز لأول مرة بدعوته إلى إحصاء الرأسمال اللامادي كمكون تاريخي وثقافي لبلادنا بادر العلامة بن حمزة إلى التأليف في هذا المجال فكان سباقا وعبقريا في اعتبار الدين أهم مكون ضمن الرأسمال اللامادي بالمغرب، وأما فيما يخص هلوسة العالم بالإرهاب والفكر الإرهابي فللعلامة نظرية عبارة عن مقاربة أمنية تنطلق من الفكر الأشعري وتتأسس على قراءة متأنية فاحصة لكتب وفكر الحركات الجهادية من خلال كتب مراجعاتها...

وأما الثلة الأخرى القليلة التي أبت أن تصمت كما أبت إلا أن تخرج أقلامها من أغمادها ولتشهرها في وجه المغرضين والمبطلين والغالين فهم يجدون في هذا العلامة قدوة فيما سطر من منهج علمي رصين يعتمد الحجة والبرهان دون صراخ أو عويل منهم الأستاذ الكتوب محمد الشركي حفظه الله وبارك في علمه وقلمه.

إننا في كل مجلة أو جريدة متكالبة وخصوصا الأشهر منها نجد عشرات الكتاب المجندين من علمانيين وحداثيين وملاحدة يقذفون لهيبهم وينفثون سمومهم همزا ولمزا تارة وبكل جلاء ووضوح تارة أخرى، فمنهم من أرجع أصل القرآن إلى أشعار الجاهلية، ومنهم من اعتبر الإسلام دين عنف وإرهاب فحمله مسؤولية أي تصرف طائش من ذي لحا أو ذات برقع أو حجاب، فأخلط الأوراق حتى يوحي لكل العالم بأن المسلمين هم أعداء البشرية والإنسانية وبالتالي وجبت إبادتهم. ومنهم من اعتبر صلاة التلاميذ في القسم فضيحة وجب التنبيه عليها بل وتحريض بعض الوزراء حتى يتخذوا الإجراءات اللازمة منها، ومنهم من أرغد وأزبد لأن المخيمات توقظ الأطفال لأداء صلاة الصبح وتحثهم على صلاة الجمعة، ومنهم من دعا نهارا جهارا إلى أكل رمضان علنا، ومنهم من شجع النساء على الزواج بأكثر من رجل في إطار المناصفة ومقاربة النوع...

ولكن من أغرب الأمور أن نجد غرباء عن الإسلام، سواء كانوا مثقفين غربيين، أو مستشرقين، أو حتى مجرد متابعين، يقدرون الدين الإسلامي ويكنون له كل الاحترام والتقدير ويشيدون به في محاضراتهم وكتبهم مما يكون بحق صفعة في وجوه هؤلاء لعلهم يستفيقون ويستيقظون ويعون بأنهم عندما يبيعون دينهم بعرض من الدنيا قليل إنما يقومون بذبح أنفسهم وشرفهم، كما هي صفعة في وجوه أبنائه من نخب مثقفة وعالمة عندما تنعدم لديها المبادرة والفعل والفاعلية في الذوذ عن دينها والرد على ما يكتب ويشاع حوله، فنجد عالم الأديان الألماني المعروف "هانزو كونج"، يقول : "إن ما يقوله المثقفون عن الإسلام أمر مزعج ومخيف بمعنى مزدوج، أولا: بسبب الاعوجاج والأحكام المغلوطة التي تتكشف في هذه العقول، وثانيا: بسبب الطريقة المخيفة والخبيثة التي تلقى بها الأحكام عن الإسلام وعن رسوله الكريم (صلى الله عليه وسلم).

وفي كتابه "محمد والإسلام" يقول المفكر السويسري "يوهان دي كنرت": "كلما ازداد الباحث تنقيبا في الحقائق التاريخية الوثيقة المصادر في الشمائل المحمدية ازداد احتقاراً لأعداء محمد (صلى الله عليه وسلم)، أمثال انجلز وماركس وغيرهم من آرائهم القديمة حيث أشرعوا ألسنة الطعن في محمد (صلى الله عليه وسلم) قبل أن يعرفوه ويدرسوا دعوته، فنسبوا إليه ما لا يجوز أن ينسب إلى رجل عادي، فضلاً عن رجل كمحمد (صلى الله عليه وسلم) الذي يحدثنا التاريخ بأن عقيدته ودعوته الإسلامية مستمدتان من الله سبحانه وتعالى".

ويقول الكولونيل "بودلي" (المستشرق الإنجليزي): "إن ما يروجه بعض المتعصبين من الكتاب والمستشرقين وما راحوا يروجونه من أباطيل وسخافات عن الإسلام منذ الحروب الصليبية، مرجعه أنهم لم يفهموا محمدا (صلى الله عليه وسلم) وشريعته، بل أصروا على عدم فهمه عن عمد وقصد". ويقول: "إن دعوة الإسلام هي التسليم لإرادة الله والإيمان بوحدانيته المطلقة"

ويقول المستشرق الأميركي "جيبون" في كتابه "المسلمون": "إن دين محمد (صلى الله عليه وسلم) خال من الشكوك والظنون العقلية، والقرآن أكبر الدلائل على وحدانية الله، فبعد أن أنهى محمد (صلى الله عليه وسلم) عبادة الأصنام والكواكب نجد بالجملة أن دينه أكبر من أن تدرك عقولنا أسراره وإعجازه وخباياه، ومن يتهم محمدا (صلى الله عليه وسلم) في خلقه أو تفكيره أو تشريعه، فإن ذلك من سوء التدبر أو بدافع من العصبية الرعناء، ويكون خيرا للإنسان أن يكون معتدلا في آرائه، مستقيما في تصرفاته، منصفا في أحكامه على الآخرين"

ويرى المستشرق الإنجليزي "روبرتن سميث" أن من حسن الحظ الوحيد في التاريخ البشري أن محمداً (صلى الله عليه وسلم) أتى بكتاب آية في البلاغة ودستور للشرائع والصلاة والدين والدنيا في آن واحد، وأن القرآن الكريم كتاب خليق بإيجاد حلول لمشكلات البشرية قاطبة"

ونختم أقوال هؤلاء الغربيين بقول المستشرق الفرنسي "كرادي فو" إذ يقول في كتابه "مفكرو الإسلام": "لقد كان العرب في جاهليتهم يرتكبون الجرائم، ويفعلون المنكرات حتى جاء محمد (صلى الله عليه وسلم) فأصلحهم ودعاهم إلى دين جديد ذي مبادئ شريفة سامية، فوحد صفهم وأصلح أمرهم، وإذا بالعرب أمة لها شأنها وكيانها وحضارتها، وتم لمحمد (صلى الله عليه وسلم) ما كان يريده منهم، وإذا بدينه في طليعة الأديان السماوية رقيا وعظمة وحضارة"

ويقول "فو" في كتاب آخر "الإسلام والعبقرية السامية": "من المعروف عن محمد (صلى الله عليه وسلم)، أنه مع أميته كان أرجح الناس عقلا، وأفضلهم رأيا وأبلغهم حديثا وأصوبهم معنى، وأدقهم وصفا، وكان دائم البشر ومطيل السمة لين الجانب وسهل الخلق، يكثر الذكر ويقل من اللغو، يستوي عنده في الحق القريب والبعيد والقوي والضعيف، يحب المساكين ويعطف عليهم، لا يحقر فقيرا لفقره، ويساير من يجالسه، ولا يسحب يده من مصافحة حتى يهم المصافح بسحبها، يجلس على الأرض، ويخصف النعل ويرقع الثوب، ومع ذلك ربى جيلا ملكوا زمام العالم في خلال نصف قرن من الزمان"

إذا كنا قد وجدنا من ينصفنا من العالم الآخر، فلماذا لا ينصفنا أبناء جلدتنا؟ ولماذا تقف وزارة الأوقاف وتقف الحكومة المغربية مكتوفة الأيدي دون أن تصدر بلاغا يجرم الطعن في الإسلام وتشويه صورته، أليس الإسلام من ثوابت البلاد؟ ألا يعتبر رميه بما ليس فيه إرهابا وسفها وقذفا يستوجب المحاكمة والحساب من الهيئات المختصة؟

 

أحمد الجبلي