سؤال بسيط يمكن طرحه الآن، ماذا يضير حزب العدالة والتنمية إن هو لم يكسب الانتخابات المقبلة؟ أليست هذه هي الديمقراطية؟ أليس في صالح الحزب والبلاد معا، في حالة عدم فوزه، أن يتراجع خطوة يعيد فيها قراءة مساره، ومراجعة أدبياته واختياراته، ودراسة وتحليل منجزه السياسي في الولايتين معا؟ فمن بدهيات الفكر السياسي أن الانخراط في التدبير المباشر للشأن العام له آثاره الجانبية، وله مخلفاته وانعكاساته على الكيان السياسي سلبا وإيجابا، ولذلك وجدت الانتخابات، بما هي وسيلة للتداول على السلطة والتدبير بشكل ديمقراطي.

وفي البلاد التي تحترم فيها قواعد هذا التداول، يتم اختيار الفاعلين بشكل عاد وانسيابي، بل واحتفالي، وينصب النقاش رأسا على القضايا الأساسية والحقيقية، بعيدا عن الشخصانيات والذاتيات والخصوصيات الحميمية، الشيء الذي ابتلي به الكثير منا، مما يعني أننا لا نتحدث في السياسة بالسياسة وبالأفكار وبالبدائل وبالأطاريح، وإنما بأشياء أخرى بعيدة عن الديمقراطية قريبة من الاستبداد.

العدالة والتنمية حزب سياسي، بالمعنى السياسي للكلمة، وجوده أو غيابه، رهين بما يمثله وما سيمثله من فكرة وخطاب وطبقة اجتماعية، ولا مجال هنا لأحاديث الوعد والوعيد ولغة التهديد بقرب الزوال والموت والنهاية المحتومة، ولنكن صرحاء، إذا كان حزب العدالة والتنمية قد فشل في التدبير، بمعنى من المعاني، فأين الحزب الناجح عندنا؟ هل يمكن أن نتحدث عن نجاح حزب سياسي منذ الاستقلال وإلى اليوم بالمعنى الدقيق للكلمة؟

كل طرف إنما ينافح عن نفسه ويدافع عن منجزه أو ما يسمى كذلك، بقراءات وتأويلات ودفوعات هي أقرب إلى الإخوانيات ونصرة الأهل والعشيرة، أين وعود وتباشير حزب الاستقلال؟ وأين الأوراش الكبرى التي تحدث عنها الاتحاد الاشتراكي وبرر بها قبوله الإنخراط فيما سمي بحكومة التناوب؟ من ذا الذي يستطيع أن يدعي النجاح في تدبيره السياسي؟ واقع البلاد هو أبلغ جواب، وأقوى تعبير.

إذا كانت مشكلتنا مع العدالة والتنمية كامنة في سوء تدبيره، فهذا أمر تحسمه الانتخابات والأصوات الحرة للمواطنات والمواطنين، أما إذا كانت مشكلتنا مع سلوك سياسي معين، فهذا شيء آخر. نسمع من يقول، هذا حزب جربناه، وعلينا أن ننتهي منه، والسؤال مرة أخرى، ما مصدر كل هذا الانزعاج من العدالة والتنمية؟ أهو التدبير السياسي أم الشكل السياسي؟ وهل هناك حزب سياسي من الأحزاب المشاركة في الشأن العام، والراغبة في ذلك، لم يسبق لنا تجريبه ثم تجريبه؟

هذا النفس الإقصائي في النظر إلى أنماط سياسية معينة يحتاج لوحده إلى دراسة خاصة، وبحث من منظور علم الإجتماع السياسي، فالأصل أن نكون ضد الفشل، وضد سوء التدبير، وليس ضد شكل سياسي معين، وإلا فكل الأحزاب والكيانات السياسية، التي تتشوف اليوم إلى الظفر بالانتخابات المقبلة، كلها مرت بنا، بل وطال مكوثها معنا وعلينا، وبلا تعليق، لم يتبق لنا إلا اليسار الراديكالي، أو بعضه، وجماعة العدل والإحسان، هل هذا هو المسار الذي نريده بهذا النقاش؟ وماذا بعد أن ننتهي من الجميع؟

إن الحزب السياسي ضرورة موضوعية، وحاجة مجتمعية، فشله يعني ضرورة عودته إلى الوراء، والتوقف قليلا أو كثيرا من أجل قراءة مساره، والنظر في اختياراته تمهيدا لعودة أخرى تكون أقوى وأنجع للوطن وقضاياه، هكذا تعلمنا الديمقراطية.

 

ابراهيم أقنسوس