عليك نفسك فاستكمل فضائلها *** فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان

غني عن البيان أن تاونات الخضراء مدينة جبلية ذات مناظر أخاذة تلهب الأفئدة وتسحر الألباب، على الرغم من التهميش والإقصاء اللذين منعاها فيما مضى ويمنعانها الآن من أن تصير قطبا سياحيا على غرار كثير من المناطق الجبلية التي تم تأهيلها والتسويق لمنتوجها المحلي في بعديه الثقافي والسياحي تفعيلا للجهوية الموسعة التي سنها جلالة الملك وحث على أجرأتها من أجل تأهيل مدن الهامش وإعادة الاعتبار إليها والتعريف بخصائصها .

كما لا يخفى أن هذه المدينة البئيسة قد أصيبت، على مر الأوقات، بأمراض كثيرة وعلل شتى في مختلف مناشط الحياة؛ أخطرها اليوم -في تقديري- الفقر الأدبي، الناجم عن غياب الفعل الثقافي الجاد، والتربية الجمالية الكفيلة بإخراج شباب تاونات من عزلتهم الثقافية وحياتهم السطحية الخالية من قيم الجمال التي تؤجج العواطف وتحرك الوجدان وتنمي الذوق السليم.

فمن الأشياء التي تبعث على الحسرة وعظيم الأسف، وتزيد من هذه الحالة النفسية المنقبضة المتجهمة التي سيطرت على ناشئة تاونات، عدم تفطن الشارع التاوناتي بمختلف مكوناته إلى الأضرار المجتمعية الناجمة عن هذا الفقر الأدبي والعوز الروحي، الذي زاد من حدته الصراع القبلي المتوتر، وجهل كثير من أدعياء العمل الجمعوي لمعنى الصناعة الثقافية الحق، واكتفائهم بتقديم منتوج جمعوي مبتذل قوامه المنفعة الخاصة بدل تقديم منتوج ثقافي تزدوج فيه المنفعة العامة بالتربية الجمالية وروح المواطنة الحق.

وإذا كان الإنسان الجبلي لا يأبه البتة بغذائه الأدبي، وما يروح به عن نفسه وأهله، فمرد ذلك -أيضا- إلى غياب دور الثقافة، وممثلين عن وزارة الثقافة، وندرة الفضاءات الحاضنة للمواهب كالمسارح وقاعات العروض السينمائية والصالونات الأدبية، وعدم دعم المؤطرين الحقيقيين القادرين على مد الشباب التاوناتي بما يحتاجون إليه من أغذية أدبية وقيم جمالية بانية، تنمي فيهم ملكة الخير والنزوع عن الشر، وتبعدهم عن كل أشكال العنف والتحجر والتطرف، ما دامت التربية الجمالية عامة، والأدب خاصة، ترياق الروح ومرآة المجتمع الذي نشأ فيه.

وهنا لا بد من الإقرار بأن مسؤولية هذه الأزمة الأدبية وهذا الفقر الجمالي تقع على الجميع أفرادا وجماعات، رؤساء وأولياء أمور، يتحمل الكل منها نصيبا مفروضا، ولا سيما في الظروف الحالية، التي لا يمكن فيها للمرء أن يتنازل عن حقه في الغذاء التثقيفي والتربية الجمالية، وتحصين ذاته من مختلف أشكال الانحراف والتطرف التي تتربص به في كل آن ومكان.

لذا، نلتمس من رجالات الإقليم –الذي قدِّر لنا أن ننتسب إليه-، وبخاصة من بيدهم زمام أموره، أن يعملوا على تحتل تاونات مكانة ثقافية تليق بها، ويستثمروا في اقتصاد المعرفة وأن يزيحوا عنها كوابيس هذه الأزمة الأدبية ويعملوا على الرفع من معنوية الشباب، وتحسين أدائهم بالطرق المثلى، وتثمين الأنشطة البانية ودعم أصحابها ماديا ومعنويا حتى تصير تاونات حاضرة علمية تعج بالأدباء والمبدعين طيلة فصول السنة على غرار باقي المدن التي خرجت من سباتها الثقافي وأضحت نموذجا ثقافيا يحتذى به، خاصة أن تاونات على الدوام أنجبت مبدعين أكفاء ومسؤولين طارت شهرتهم خارج الإقليم.

وعلى الإجمال، فإذا كانت الخضرة عنوانا فلاحيا تمتاز به تاونات، فنحن في الحاجة إلى اخضرار ثقافي يضاهيه، من أجل غد أفضل، تصير فيه تاونات منطقة جذب واستقرار، لا منطقة عبور ونفور وظيفي.


إسماعيل علالي