انعقدت القمة الاقتصادية والاجتماعية العربية في دورتها الرابعة وسط تحدّيات كثيرة، مستجدّة في نوعيتها وأحجامها، وبالتالي لزوم بذل الجهود المضاعفة لترميم جوانب كثيرة في الواقعين الاقتصادي والاجتماعي لمجمل البلدان العربية.فبعد عقد من الزمن على انطلاقة دوراتها في العام 2009، ووسط مقررات في ثلاث قمم سابقة، افتقرت إلى آليات تنفيذية محددة، تبدو هذه القمة مطالبة بالتدقيق في آليات المتابعة وجدية التنفيذ وبخاصة بعد تصدّع الكثير من جوانب النظم الاجتماعية والاقتصادية جراء الحراك في غير بلد عربي.

أولى التحدّيات الظاهرة في البحث، الجوانب المالية والاقتصادية، وهي بالمناسبة فيها من الضخامة ما تعجز عنه الكثير من البرامج وتستلزم فترات زمنية اقلها متوسطة إن لم تكن طويلة المدى. فالدول العربية ووفقا للتقارير العربية والدولية أتت في مراتب متأخرة جدا في سلم النظام الاقتصادي الدولي، وتبدو في مراتب تنحو باتجاه وجوب هيكلة النظم الاقتصادية السائدة، بعدما تمَّ استهلاك النظم الريعية لعقود من الزمن وبخاصة النصف الثاني من القرن الماضي، واتى الحراك العربي ليعيد مجمل هذه النظم عقودا إلى الوراء نتيجة الديون الخارجية والدمار الهائل الذي أتى على المفاصل الرئيسة لهذه النظم الاقتصادية، وسط تراكم في عجز المواجهة، ناهيك عن المشاكل عينها تقريبا التي يعاني منها النظام الاقتصادي العالمي وبخاصة الدول المتحكمة به، وارتباط هذه النوعيات من الثغر بعضها بالبعض الآخر، بحيث تقف البلدان العربية بشكل عام عاجزة عن المواجهة الفعَّالة للحل. ثمة إمكانات هائلة تمتلكها بعض الدول العربية، وهي قادرة على المساعدة إذا توفّرت الظروف الموضوعية والذاتية للدول المعنية بالمساعدة، إضافة إلى إقتران الأمر بجوانب أخرى مرتبطة بذلك، وهي الجوانب الاجتماعية التي تعتبر أشد خطرا.

وتأتي التحديات الاجتماعية عمليا في واجهة التحدّيات التي ستعاني منها هذه القمة وما سيليها من متابعات، فالكوارث التي حلت بالمجتمعات العربية طالت بحسب إحصائية البنك الدولي للعام 2018 لأكثر من 87 مليون عربي في مختلف البلدان العربية، إضافة إلى خسائر مالية واقتصادية تناهز الألف مليار دولار، ماذا يعني ذلك؟ بصرف النظر عن التداعيات المالية والاقتصادية التي تستلزم أصولا وأطرا محددة قابلة للتنفيذ، إلا أن التحدّيات الاجتماعية تستلزم وقتا وجهدا ومالا ومراكمات هائلة في المعالجة والخبرات، تمتد لعقود قادمة لتبدأ النتائج الايجابية بالظهور؛ بدءاً بمعالجة الصدوع الاجتماعية الحاصلة في المجتمعات العربية، مروراً بالسلوكيات النفسية التي باتت ظاهرة بصور واضحة في تصرفات يومية معتادة، علاوة على إعادة هيكلة النظم الاجتماعية المتصلة بالقيم والمبادئ التي اتصفت بها المجتمعات العربية لقرون مضت، وصولا إلى القضايا المتصلة بتلك التحدّيات وطبيعة إعادة تركيب النظم السياسية للكثير من البلدان العربية، بما يتوافق مع تطلعات شرائح كثيرة تسعى إلى التحسين والتغيير دون جدوى.

في مجتمعاتنا العربية ثمة أراقم مرعبة من البطالة والفقر المدقع والغربة الاجتماعية السياسية عن واقعها المعاش، علاوة على التهميش والدوران في الحلقات المفرغة دون جدوى، ما يعزز اليأس الاجتماعي في شخصية الفرد والمجتمع العربيين، علاوة على مظاهر السلوك الاجتماعي غير السوي الظاهر في السلوكيات العنفية والتي تصل في غالبيتها إلى حالات الإجرام والتي تنحو ببعض أوجهها إلى سلوكيات إرهابية عمت في بعض المجتمعات العربية.

لذا، إن مسارات التنمية الاجتماعية المتوازية مع التنمية الاقتصادية باتت أمرا ضروريا ولازما لأية معالجات جادة، على أن هذه المعالجات التي بدت في الأدبيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية لمقررات وتوصيات القمم الثلاث السابقة كثيرة ومتشعبة، إلا أنها افتقرت بغالبيتها إلى برامج وجداول زمنية وآليات تنفيذية قابلة للتطبيق بالفعالية المطلوبة، ولكي لا تأتي هذه القمة متممة لما سبقها شكلا ومضمونا، ينبغي إجتراح معجزات لسد متطلبات الكثير من التحدّيات القائمة.

إن إعادة ترميم وهيكلة النظم الاجتماعية الاقتصادية القائمة من بوابات التنمية الشاملة، يعتبر مدخلا أساسيا ورئيسا لإعادة تكوين النظام الإقليمي العربي الذي أصابه مقتلا في العقود الأخيرة الماضية، وباتت إعادة هيكلته، يعتبر أمرا وجوديا لمجمل الدول العربية، وسط ضغوط قوى إقليمية ودولية، باتت وللأسف صاحبة الحل والعقد في المنطقة العربية، فهل ستتمكن القمة الرابعة من فعل ذلك؟ الأمر مرهون بظروف كثيرة ربما خارجة عن قدراتها الفعلية.