جاءت تصريحات وزير التربية والتعليم السيد سعيد أمزازي حول عزم الدولة على إبقاء تعليم الفرنسية والتعليم باستعمال الفرنسية بالمغرب إلى أجل غير مسمى (أو للسنوات العشر المقبلة على الأقل) ليؤكد من جديد أن الدولة المغربية ما زالت عازمة على تأبيد هيمنة الفرنسية على المغرب كلغة رسمية ومدرسية وإعلامية وإدارية وعلى إبقاء المغرب تحت التبعية اللغوية والثقافية والاقتصادية لفرنسا إلى الأبد. 

وفي وقت يشتغل فيه العالَم باللغة الإنجليزية (وسيستمر كذلك لوقت طويل، انسوا الكلام الفارغ حول الصينية والإسبانية) ما يزال المغرب مصرا على الوفاء للفرنسية بشكل يستعصي على الفهم والتفهم. 

ثم لدينا في ما يسمى "المعارضة" السيد عبد اللطيف وهبي من "حزب الأصالة والمعاصرة" وقد كتب في مقال له عنوانه "التعليم بين اللغة والتمويل" يستغرب فيه ضمنيا مطالبة بعض السياسيين بإعطاء اللغة الأمازيغية دورا مركزيا في العملية التعليمية (أي أن تكون الأمازيغية مادة مدرسية وأداة لشرح الدروس ومناقشة الأفكار وتدريس العلوم كالتاريخ والرياضيات مثلا). 

السيد عبد اللطيف وهبي الذي هو من قياديي "حزب الأصالة والمعاصرة" لا يبدو أنه مؤمنبجعل اللغة الأمازيغية جزءا رئيسيا من النظام التعليمي (كمادة وكلغة شرح وتدريس) ويبدو مؤمنا أكثر بالعربية والفرنسية وكل اللغات الأخرى إلا الأمازيغية. وحين يكون سياسي بارز غَيْرَ مقتنع بقدرة اللغة الأمازيغية على أن تكون لغة لشرح الدروس ومناقشة الأفكار في الأقسام المدرسية الآن وانطلاقا من الآن فهذا مشكل كبير للمغرب. السيد عبد اللطيف وهبي في مقاله المذكور ("التعليم بين اللغة والتمويل") المعبر عن مواقفه السياسيةيضع اللغة العربية في سلة بمفردها و"اللغات الأجنبية الأخرى"في سلة أخرى. أما الأمازيغية فوضعيتها غير واضحة في مشروع السيد وهبي. فربما يكون قد وضعها في سلة اللغات الأجنبية مع الإيطالية والإسبانية وربما قد وضعها في سلة "اللامفكر فيه" وهذه كارثة أعظم. فالسيد عبد اللطيف وهبي قلق على مصلحةاللغة العربية (وقلق من توظيف خصومه الإسلاميين إياها) ولكنهلا يبدومهتما بمصلحة اللغة الأمازيغية، ولذلك فقد وصف اللغة العربية بأنها "ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا". أين وضع السيدعبد اللطيف وهبي الأمازيغية؟ في سلة "اللغات الأجنبية الأخرى"أو في سلة "اللامفكر فيه". كلاهما كارثة. 

لا آ السي وهبي. راك غالط. ماضي المغرب هو ماضٍ أمازيغي وحاضره أمازيغي. اللغة الأصلية والتاريخية للمغرب والشعب المغربي هيTamaziɣt. أما البلدان والشعوب التي ماضيها وحاضرها عربي فهي السعودية وقطر والإمارات. وأما المستقبل فهو غير محسوم وهو موضوع النقاش والتدافع. 

ثم لدينا أنصار الأمازيغية الذين أصبحوا متخصصين في القشوريات مثل المطالبة بإقرار السنة الأمازيغية وتغيير هذا الاسم أو ذاك أو المطالبة بالقانون التنظيمي (وهي فكرة كارثية اخترعتها الدولة بإيحاء من الإسلاميين والتعريبيين لفرملة الأمازيغية)، بينما المشكل العويص الذي يعوق الأمازيغية موجود في الفصل 5 من الدستور، وهو فصل كارثي يجعل الأمازيغية لغة رسمية ثانوية تحت العربية ومؤجلة الترسيم ومقيدة بـ"قانون تنظيمي" تكتبه الأحزاب يقيد الأمازيغية ولا يقيد العربية ولا الفرنسية. وهذا "القانون التنظيمي"البيروقراطي الكارثي سيضيع العشرات والعشرات من السنين من وقت الأمازيغية ووقت المغاربة في الإجراءات والبروتوكولات الخاوية وكأن الدولة لا تعرف كيف ترسّم اللغات بينما هي لديها تجربة في ترسيم العربية والفرنسية معا منذ 1912 بلا أي "قانون تنظيمي" ولا يحزنون. فإما أن يكون هناك "قانون للغات الرسمية" ينظم كل اللغات الرسمية (مثل كندا) وإما لا داعي لقانون تنظيمي يقيد لغة دون أخرى. 

ثم هناك حرف ثيفيناغ الذي لا يقرأه أحد ولا يساعد الأمازيغية في الانتشار والذي تم فرضه في 2003 على اللغة الأمازيغية تحت ضغط وتهديدات الإسلاميين والتعريبيين بدل الحرف اللاتيني الذي سانده أغلب نشطاء وأكاديميي الأمازيغية. وفي التصويت الإيركامي عام 2003 المتكون من شوطين صوت في الشوط الأول 14 عضوا لصالح ثيفيناغ وصوت 13 عضوا لصالح الحرف اللاتيني وصوت 5 أعضاء لصالح الحرف العربي. وفي الشوط الثاني قلب 10 أعضاء على الأقل عباءاتهم و"قناعاتهم الأكاديمية" فصوت 24 لصالح ثيفيناغ وصوت 8 أعضاء لصالح الحرف اللاتيني وتبخر المصوتون للحرف العربي. والأرجح أن الذين صوتوا للحرف العربي في الشوط الأول انقلبوا فجأة وصوتوا لحرف ثيفيناغ في الشوط الثاني. 

والخلاصة التي جاء بها التصويت الإيركامي هي أنه يجب في كل الأحوال وتحت جميع الظروف وبأي ثمنAt all costsأن يتم حرمان اللغة الأمازيغية من الحرف اللاتيني العالمي الخطير الذي يثير رعب الإسلاميين بسبب خوفهم من تحول المغرب إلى تركيا العلمانية التي تكتب اللغة التركية بالحرف اللاتيني. 

الحرف اللاتيني يسهل ويسرع تدريس وترسيم اللغة الأمازيغيةTutlayt Tamaziɣtويجعل إدخالها في التعليم الثانوي متيسرا الآن بشكل فوري علما أن التعليم الثانوي هو بوابة الجامعة. ويمكن تطوير كتاب مدرسيواحد لمادة اللغة الأمازيغية بالحرف اللاتيني لجميع شعب التعليم الثانوي يسهل على التلاميذ المغاربة تعلم الأمازيغية (لساعتين أسبوعيا مثلا) انطلاقا من الصفر بالحرف اللاتيني الذي يعرفونه سلفا، بالضبط مثلما يتعلمون الإنجليزية والألمانية والإسبانية والإيطالية من الصفر بالحرف اللاتيني وينجحون في ظرف ثلاث سنوات في اجتياز امتحان الباكالوريا في هذه اللغات. 

أما انتقال المغرب إلى اللغة الإنجليزية والتخلص من الفرنسية فيجب أن يبدأ فورا وإلا فلن يبدأ أبدا. والبدء الفوري في نقل المغرب إلى الإنجليزية لا يعني تحويل كل شيء من الفرنسية إلى الإنجليزية دفعة واحدة فهذا تفكير ساذج لا يفكره إلا الأميون والجهلة أو المغالِطون. وإنما البدء الفوري يعني البدء من الآن في التوقففي جزءمن المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية عن تدريس مادة الفرنسية وتعويضها بمادة اللغة الإنجليزية، تدريجيا سنة بسنة. ويجب البدء من الآن في تحويل تدريجي للشعب العِلمية والاقتصادية الثانوية والجامعيةإلى الإنجليزية حسب توفر الأساتذة. ويجب أن تضع الدولة الآن خطة تدريجية لتحويل الفرنسية إلى لغة أجنبية اختيارية تدرس في التعليم الثانوي المغربي مثل الإيطالية والإسبانية والألمانية. 

وطبعا هناك إجراءات أخرى مثل: زيادة الشعب الإنجليزية في الجامعات، وإدخال نشرات إخبارية بالإنجليزية في التلفزات المغربية، وبث برامج تعليم اللغة الإنجليزية للمغاربة (والإنجليزية العلمية للطلبة) بالأمازيغية والعربية والدارجة على التلفزات المغربية بدل برامج من طينة "عاود دردك زيد دردك" و"التخرميز التركي" وبقية برامج "التبوحيط التلفزي" التي لا تساعد إلا في رفع منسوب التكلاخ الوطني.

 

إذن: نقل اللغة الأمازيغية إلى الحرف اللاتيني ونقل المغرب إلى اللغة الإنجليزية مطلوبان الآن بشدة لحلحلة الجمود والتحجر التعليمي المغربي ولتحرير الشعب من الفقر الذي ينتجه التعليم المتجمد الفاشل. 



 مبارك بلقاسم