تعودت دائماً أن أسمع المغربي حين يقص تجربته في أوروبا أن يصف الأوروبيين بإنسانيتهم وخدماتهم النزيهة ونظامهم ونظافتهم وديمقراطيتهم وينهي حكاية تجربته وشهادته بِـ "هادوكْ هُما المْسْلْمينْ دْبْصّاحْ، ناقْصْهُومْ هِي الإسلام".

بطبيعة الحال هذه الخلاصة تُوضح ازدواجية  فكر المغاربة بين العقيدة والأعمال كما تُبين التناقضات التي تُبرهن على فشل التربية المغربية وقصور العملية التعليمية من جميع النواحي بما في ذلك التربية الدينية. وأتقاسم معكم تحليلي كالتالي:

1- فشل التربية الدينية

أ- ضمان الغفران: العنصر الأهم عند المغربي هو الانتساب إلى الإسلام لأن الله سيغفر جميع ذنوب المسلمين ولهذا بالنسبة له لا أهمية للأعمال السيئة.

ب- مفهوم "الله عْطاهُمْ الدنيا وْ حْنا عْطانا الآخرة": نرسخ في ذهن الطفل أن تقدم الأوربيين راجع لمشيئة الله حيث كتب لهم الخيرات والرفاهية في الدنيا لكن مصيرهم في الآخرة جهنم، وأن المسلمين كتب الله عليهم العذاب في الدنيا (امتحانات و بلايا) لكن كتب لهم الجنة في الآخرة. ومع الأسف لا نساعد الطفل على إدراك أن الأعمال الصالحة والاجتهاد في المعرفة والعلم والديمقراطية والعدل هم سبب رخاء وكرامة جميع الأمم التي تعمل بها وعلة تخلف جميع الأمم التي تُهملها.

ت- ضمان شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم يوم القيامة: يتم ترسيخ هذه القناعة عند المغربي منذ طفولته بمفهوم سلبي. بمعنى آخر، بإمكاني أن أقوم بجميع المحرمات لأنني سأستفيد من الشفاعة بحُكم أنني من المسلمين. ولهذا بالنسبة للمغربي لا أهمية للأعمال قدر أهمية أن يكون مسلماً.

ث- الكل في جهنم ما عدا المسلمين: ينتهي المغربي من خلال تربيته بالاعتقاد أن مصير كل البشرية الغير المسلمة هو الجحيم مهما كانت أعمال الخير التي تصنعها. و هنا كذلك نرى أن لا أهمية للأعمال لأن الأوروبيين رغم أعمالهم الصالحة والنزيهة فإنهم في منظور المغربي محكوم عليهم سلفاً بجهنم طالما هم خارج دائرة الإسلام.

ج- العنصرية ضد الكفار: التربية الدينية تفرق بين المسلمين وبقية البشر الذين تصنفهم  في دائرة الكفار وان الله يفضل المسلم على الكافر وبحكم أنه مسلم يرى المغربي نفسه سلفاً من أهل النجاة في الآخرة. ولهذا فإنه يرى أن اعتناق الإسلام أهم جدا من الأعمال الصالحة والنزيهة. كما أن هذا التمييز الخطير يُنمي ثقافة الكراهية والتعصب ويعيق ثقافة التعايش.

د- مفهوم الحلال والحرام: يتم تلقين هذا المفهوم وغرسه في ذهن الطفل بطريقة جامدة دون مرافقته في تقوية قدراته، بل لا يتعلم حتى أن الأمر يتعلق بالأعمال الزكية الهادفة لبناء مجتمع يسوده السلم والتعايش والاحترام. و هكذا يقتصر تقديم مفهوم الحلال والحرام على مسائل معينة مثل الصيام والزنا والملبس والمظاهر الشكلية بينما يتم إهمال مساحات واسعة تتعلق بسلوكيات بناء المجتمع و خدمته وأهمية الأعمال البناءة.

2- فشل التعليم المدرسي

المدرسة بدورها لا تساعد التلميذ على اكتساب الآليات الأساسية التي تمكنه من إدراك أهمية الأعمال الصالحة وتنمية حسه بالانتماء إلى المجتمع وتطوير قدراته على تحمل المسؤولية في بناء الوطن وهي بذلك لا تربي أجيالا من المواطنين البنائين بل تربي أجيالا استهلاكية.

ومن أهم هذه الآليات أذكر مثالين:

أ- علاقة المعرفة مع الأعمال البناءة: مهمة التعليم هو تمكين التلميذ لاكتساب محبة المعرفة وكيفية ترجمتها في بناء الذات وبناء المجتمع والمدرسة ليست كسبيل لكسب الجاه والأموال (قْرا مْزْيانْ باشْ تْكونْ شي حاجة")

 

ب- علاقة "الأنا الجماعية" و حب الوطن:  دور المدرسة هو التدريب الجماعي على الشعور بقوة التعاون وتطوير "الأنا الجماعية" والانجاز التشاركي لأنه ينمي حب الوطن وليس المنافسة على الحصول على أعلى النقط والتي تُضخم "الأنا الفردية" عند هذا وتُدمر شخصية ذلك وتُبعد الفرد عن دائرة انتمائه لمجتمعه وتجعل منه مجرد كائن استهلاكي متمحور حول ذاته.



جواد مبروكي