يعتقد البعض أن هجوم الصراصير التي حصلت هذه الأيام هي ردة فعل من الله على كثرة المعاصي، ويعتقد بعض البسطاء أن الله ينتقم من نظام بن سلمان. بالتأكيد لا يصح لا هذا الرأي ولا ذاك، فكثرة الحشرات في مكان ما، هي ظاهرة طبيعية يمكن تفسيرها في أمرين:

- إما أن هذه الحشرات توالدت في مكان ما بشكل مهول، ونتيجة حاجتها إلى الغذاء زحفت بحثا عنه، كما يفعل الجراد، والنمل بأجنحته، والطيور المهاجرة.

- وإما أن الحشرات تنتقل من مكان لٱخر في رحلة تزاوجها ودورة حياتها، وتحصل أحيانا المصادفة أن تكون أماكن مقدسة ضمن مسار الطيور والحشرات.

الله الذي نؤمن به عظيم، وعظمته من عظمة الكون الذي خلقه. تخيل أنك تسير بسرعة الكهرباء (300ألف كيلومتر في الثانية)، وقدر لك أن تعيش ملايين السنوات وأنت تطير بسرعة الضوء، رغم ذلك لن تستطيع الخروج من مجرتنا المسماة مجرة "درب التبانة"، فكيف لك أن تقتحم الكون الذي يحوي ملايير المجرات الضخمة. هذا الإله وبهذه المواصفات لا يرسل الصرصور للطرطور، ولو شاء لسحق شبه الجزيرة العربية بأكملها. نحن البشر من نؤذي بعضنا ونؤذي الحيوانات والأماكن المقدسة، أما الحشرات والحيوانات فهي مجبولة لما خلقت له. تصور مجرما يجلد ثعلبا لأنها تجرأت وسلبته دجاجة أو كتكوتا، وتصور كم نبيد نحن البشر من النمل والطيور والفئران والحيوانات عندما تزاحمنا على أرزاقنا أو  تهدد نومنا، نبيدها بالسموم والمبيدات، ونحن نعتقد أن هذه المخلوقات لا حق لها في العيش معنا في هذه البسيطة. وفي الحقيقة فكل مخلوقات الله تتملك نصيبها من الأرض التي تقتسمها معنا، نصيبها من الغذاء والسكن والأمن والمأوى والماء. أولئك الذين هاجموا الأماكن المقدسة لم يكونوا من فصيلة الرخويات ولا الفطريات ولا رباعيات الأرجل، بل كانوا بشرا مثلنا، إنها جماعات بشرية كانت ترفع لواء الدين أحيانا. فالقرامطة (عرب البحرين قبل 10 قرون من الٱن) لا الصراصير، هم من قتلوا الحجيج في بيت الله وسرقوا الحجر الأسود عشرين عاما وطمروا بئر زمزم بجثث القتلى، وبينما هم ينكلون ويسفكون الدماء، كان قائدهم من على فرسه يضحك ويتلو: (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ)، حتى وصل إلى قوله:(وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ)، فقال: ما آمنهم إلههم من خوفنا. والحجاج بن يوسف وجيشه لا الجرذان، هم من دمروا الكعبة بالمنجنيق. والصليبيون لا الأفاعي، هم من اجتاحوا القدس وأراقوا فيها أنهارا من الدماء. واليهود لا القردة ولا الخنازير، هم من أحرقوا جزء من المسجد الأقصى. رغم كل هذه البشاعات، فمنا من يقتل الخنزير والجرذ ويعذب الذئب والثعلب، وهو يظن أنه يحارب الأشرار الحرام لحمهم، أو يفتك باليهود الذين مسخوا على هاته الشاكلة.

 

عندما يؤمن كثير من أفراد الأمة الٱسلامية بأن هذا الصرصور جندي من جنود الله، قد جاء في مهمة مقدسة حاملا رسالته إلى من يهمهم الأمر، رسالة مفادها أن الطغيان فاق التوقعات؛ فاعلم أن الأمة صارت في الحضيض. عندما لا يتساءل هؤلاء الذين يدافعون عن مثل هذه الأفكار: لماذا اتجه الصرصور نحو أطهر البقاع ولم يتجه لقصور بن سلمان والأمراء!! ولم يترك الله المذنبات والنيازك ويضع ثقته في الصراصير، رغم أنها حشرات بالكاد تستطيع أن تنقلب إذا وقعت على ظهرها في مكان أملس، كما أنها ماتت بمجرد ما رشتها السلطات السعودية بالمبيدات، فهل جنود الله تموت بهذه السهولة يا عقلاء؟. ولماذا أيضا، يتم دائما التذكير بٱية القمل والضفادع والجراد التي حصلت كمعجزات عابرة في أزمنة غابرة بينما نحن في عصر معجزة العلم، والمعجزات استعمال واحد عابر لا يتكرر، بينما العلم استعمال دائم، فعصى موسى لم تتحول إلى جسر دائم فوق البحر حيث وقع العبور كتلك الجسور التي شيدها الإنسان في الصين وأوروبا وأمريكا واليابان. وعيسى وإن عالج الأبرص في واقعة المعجزة، فإنه لم يترك خلفه مستشفيات علاج البرص في بيت لحم والناصرة والقدس. وصالح وإن أخرج من الصخر ناقة، فإنه لم يترك خلفة وصفة علمية لكيفية تحويل الصخور إلى إبل. على الجميع أن يعلم أن الصراصير والقمل والضفادع والحلزونات لن تنصرنا إذا لم نأخذ بأسباب النصر فكريا وعلميا وحضاريا، إن لم نشمر عن السواعد والعقول، ونلتزم بالتضحيات وبالعمل الجاد والتعليم والتخطيط، وإذا لم ننشر ثقافة الحب، وإذا لم نفشي وننشر ثقافة السلام والعدل بيننا. 



خالد العمراني