المؤكد ان المذكرات التي صدرت مؤخرا عن مكتب النائب العام، ما كانت لتصدر عن مكتب يعمل من داخل العاصمة التي تمثل وكرا للمتشددين الاسلاميين، لولا تبني مجلس الامن قرارا يمنع احد زعماء الميليشيات الاسلامية من السفر وتجميد ارصدته بالخارج، عقب الاحداث التي جدّت مؤخرا بالعاصمة، ما شكّل حقنة شجاعة، سرت ببطء في اوصال الجسم القضائي.

مذكرات التوقيف (الاستنابات القضائية) بحق ستة من كبار زعماء الاسلام المتشدد (الليبية المقاتلة)، يشي بان هؤلاء يجب تقليم اظافرهم ولا نقول انتهى دورهم. فللخونة ادوار مستهجنة ورذيلة حتى النفس الاخير وان كانت انفاسهم طويلة نظرا لضخ الروح في اجسادهم من قبل (مُجنِّديهم) اسيادهم، فقد كانوا الاداة الطيّعة للمتربصين بالوطن في اعمال القتل والتشريد والنهب طيلة السنوات الماضية، وكانوا الى وقت قريب يُستقبلون كمسئولي دولة من قبل دول الجوار وتفرش لهم البسط الحمراء وبالأخص في تونس والسودان، حيث الاسلاميون يسيطرون على مقاليد الأمور، الدولتان من خلال ترك المجرمين من رعاياهما للمشاركة في الاقتتال الداخلي، ساهمتا بشكل فاعل في تدمير البلاد وتشريد ابنائه.

الجزائر من ناحيتها، ابقت على وسائل الاتصال مفتوحة مع كل الافرقاء في محاولة منها لإيهام الشعب الليبي بأنها تقف على الحياد الايجابي، لكنها وللأسف تقف حجر عثرة في سبيل اقامة دولة وطنية قادرة على حماية البلد. فهي جد مستفيدة من اعمال تهريب الوقود والأسلحة (معدات وذخائر-محاربة الارهابيين على حدودها) والمعدات المدنية (التهيئة الترابية) التي استولى عليها الثوار وبيعت بأبخس الاثمان.

ما اقدم عليه النائب العام يمثل بداية افول الاسلام السياسي الذي استحوذ على السلطة بقوة السلاح على مدى السنوات الماضية وقام بعديد الاعمال الاجرامية من قتل وتهجير واهدار للمال العام ورهن البلد لقطر وتركيا اللتان تمثلان وبكل جدارة تنظيم الاخوان المسلمين العابر للقارات.

اصدار المذكرات جاءت بناء على معلومات مؤكدة، بمشاركتهم الفاعلة في عديد الاحداث مؤخرا وبالأخص الهجوم الذي تقوده فصائل اسلامية مسلحة لدول الجوار، على الجنوب الليبي والأرواح التي ازهقت بغير وجه حق من مدنيين وعسكريين يعتبرون الاساس لبناء الدولة وحماية حدودها الاقليمية، والمحافظة على ثرواتها الطبيعية، لتساهم في نمو وازدهار الوطن بما يعود بالخير على الشعب.

ندرك ان هذه الاجراءات لن تكون ذات جدوى في بلد تمثل الميليشيات الجهوية والمؤدلجة عموده الفقري، فهناك تزاوج عرفي (مصلحي) بين الساسة وقادة هذه الميليشيات، يمثلون الدولة بجناحيها السياسي والعسكري، فكّي رحاة تطحن الشعب وتعيث بمقدراته. سقوط الميليشيات يعني بالضرورة سقوط الساسة المتصدرين المشهد، فهم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا. ولكن هذه الاجراءات تمثل نقطة ضوء في نفق طويل جد مظلم سيؤدي بالنهاية الى ازاحة هذه الاجسام، التي تمثل الكوابيس التي لا تزال تقض مضاجع الجماهير التي تمضي جل اوقتها في الطوابير المتعددة علّها تجد ما تسد به الرمق.

نتمنى ان تتبع هذه الخطوة الجريئة، خطوات تردع ضعاف النفوس عن ارتكاب المزيد من اعمال العنف، وتسوق من اوغلوا في قتل الشعب وتدمير ممتلكاته الى ساحات القضاء زمرا (لكثرتهم)، حيث ينال كل منهم جزاءه نكالا بما اكتسبت يداه، وليقف مسلسل التدمير الممنهج، الذي يشبه المسلسل التركي في كثرة حلقاته، كيف لا وهي احدى الدول التي ساهمت وبقوة في اعداده وإخراجه، حيث انتشرت خيم العزاء في كافة ربوع الوطن. لتعد الحياة الى طبيعتها، ولتسخّر طاقات الشباب في ميادين البناء بدلا من الانخراط في الميليشيات التي اودت بحياة الكثيرين منهم، وليعم الرخاء، وذلك لن يتاتّى إلا بتكاثف الجهود واختيار اناس قلبهم على الوطن، من خلال انتخابات حرة ونزيهة.

ميلاد عمر المزوغي