بعد بضعة أيام سنستقبل عاما ميلاديا جديدا 2019، ويعني لنا هذا التأريخ أهمية بالغة نحن المغاربة؛ لأن السنة المالية المغربية تتأرخ به وفيه يبدأ تقييم المنجزات الكبرى والمتوسطة والصغرى، وفيه يتعرف المغاربة على ما الذي انضاف إلى معيشهم اليومي، أم هم فقط ما زالوا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها مع اعتذاري على هذا الاقتباس الذي ألبسته حلة دلالية أخرى.. لا جديد يبدو في الأفق، لا تحسن في الأجور وتقدم في الحقوق، ولا ازدهار في النمو، ومع ذلك يحق لنا الاحتفاء بالميلاد..

إن الاحتفاء بأعياد الميلاد في المملكة بدأ يعرف خفوتا منذ أكثر من عشر سنوات لعدة اعتبارات؛ أولها نمو الفكر الشعبوي الرجعي في أوساط المجتمع باسم الدين الحنيف ـ هو من ذلك براءـ والذي يؤكد أن كل مؤمن مسلم لن يكتمل إيمانه إلا بالاعتراف بكل الأنبياء والرسل.

ثانيها لتدهور القدرة الشرائية لكافة الطبقة الشعبية واندحار الطبقة المتوسطة وضمور الحس الحضاري العصري وترييف المدن وطغيان مظاهر الأفغنة في الملبس وسلوكات التنشئة الاجتماعية.

يأخذني شريط الذكريات إلى ستينيات القرن الماضي، حيث أفق التعايش مع أكثر من نمط للحياة في مسقط رأسي بتطوان، حيث كان المسلمون يشاركون النصارى أعياد الميلاد وهؤلاء يتقاسمون معهم بعض الحلوى والأطعمة الخالية من الكحول أو لحم الخنزير احتراما لمعتقدات المسلمين وهؤلاء أيضا يذيقونهم من أطعمة عيد الأضحى وغالبا ما يكون من كبش إضافي يخصص لهذه الغاية، في جو تعمه الفرحة وحسن الجوار..

شتان إذا بين الماضي القريب واليوم، حيث أرغمنا على استقبال العام الجديد بالذبح من نبتة شر نمت بيننا في غفلة من وجودنا نبتة مسمومة غير جديرة بقيمنا نحن المغاربة المعهود فينا كرم الوفادة وحسن الضيافة.

وأتساءل: من كلف هؤلاء بالنيابة عن الله ليقوم بجريمتهم الشنعاء في حق ضيفتين دنماركية وسويدية وبدم بارد؟ ألا يدفعنا هذا الإثم العظيم إلى مراجعة وتصحيح عقيدتنا بالنسبة إلى الذي يدعي الإسلام؟ ألم نركن نحن المغاربة إلى حكمة إمارة المؤمنين لدرء مثل هذه الأعطاب الإيمانية التي تشوه المعتقد وتجعل من المسلم مجرد جزار متأهب للنحر؟

لا بد أن بعض الخلل فينا في نظام تنشئتنا الاجتماعية ونظامنا التربوي الذي أصبح محط اتهام، إذ كل من حفظ بعض السور من الذكر الحكيم ونتفا من البخاري أصبح واعظا ومفتيا وقارئا لقلوب الناس ليميز بين الكافر والمؤمن.

كيف نحن في القرن الحادي والعشرين يفرخ أصحاب الرقية أوكارهم أكثر مما تفتح مستشفيات ومختبرات طبية ترعى صحة المواطنين ويحدث هذا تحت أنظار الدولة؟

إنني لا أملك إلا أن أقول إني أستقبل هذا العام وأنا محبط.

محمد العربي هروشي