أثناء رحلة إلى مدينة مراكش بقصد إنجاز أوراق إدارية، تسمّر ركاب سيارة الأجرة التي كنت أقلّها، وهم ينصتون وكأن على رؤوسهم الطير، إلى مذياع (الطاكسي) حيث تناول واعظ المحطة الإذاعية ذات التوجه الشبابي موضوع عذاب جهنم المسبوق بواقع أليم إسمه عذاب القبر، إلى الحد الذي تطلب معه تجسيد الصراصير والعقارب ومخلوقات أخرى في حجم ديناصورات ستستقبل الرجال والنساء الآثمين طبعا، بلسعات في غاية الألم الذي لن يتصوره بشر. كان علي أن أتوقف في الطريق قبل أن يتوقف الواعظ عن خدش صورة جميلة قد رسمتها لي أمي عن الله. حقا، إن أكثر ما كان يؤلمني في بداية التزامي بالممارسات التعبدية بما هي شعائر دينية ومنارات أخلاقية وعمق عقدي متجذر، هو ذاك السؤال الغيبي العالق؛ هل سينجو أحد من ضمة القبر، على اعتبار أن للقبر ضغطة لو نجا منها أحد لنجا منها سعد بن معاذ... كنت دائما أتساءل عمّن سيقوم بهذه الضمة التي لقوتها


ستختلف عظام أضلعي؟ ومن سيصدر هذا القرار المجحف في حق إنسان ينطلق من ضعف ويعود إلى ضعف؟ الأكيد لن يكون هو الله كما تحدثت عنه أمي رحمها الله باقتدار وإجلال، حين قالت لي ذات يوم بأنه، أي الله، بحسن حفاوته وابتسامته الكبيرة، سيقدم لنا كريات(الدراجين) وحلويات الألف ورقة، حتى مكعبات (المكانة) سيسلمها لنا حين نصعد إليه بعد عمر طويل... كنت أغار منه كثيرا وتحديدا حينما كانت تسرّ إلي أمي بأنها تحبه كثيرا، وتشدد علي بأن لا أخبر أبي بالأمر حتى لا يغار هو الآخر. أتذكر يوما أنها أخبرتني، حين سألتها عن السبب الذي جعلها تحبه أكثر من الآخرين بما فيهم أنا وأبي، أن الله هو نفسه من جعل أبي يتزوجها ويذهب بها إلى زيارة خاصة صوب سيدي حرازم ومولاي يعقوب، وهي الأماكن التي لم تكن تحلم يوما بالذهاب إليها لولا الله الطيب...وهو أيضا من ساعدها في العثور علي بعد أن كنت تائها في أزقة مظلمة... إنّ هذا الله الذي أحدثك عنه جميل جدا إلى درجة لا يمكن أن تتصورها، تسترسل أمي في كلامها عن حبيبها الاستثنائي والحصري. الأكيد هو أن الله أجمل بكثير مما كانت تحدثني به أمي، والأكيد أيضا هو أنه ليس من سيعطي الأوامر لضمة القبر حتى تختلف أضلع أحبائه...إنه أرحم من الرحمة ذاتها.

فلماذا إذن يصوره لنا البعض أكثر شراسة وعنفا عكس ما كانت تصفه لي أمي...



وسف الإدريسي