يعيش مشهدنا السياسي على وقع فوضى كبيرة تتَّصف في الكثير من أوجُهها بنوع من العبث وعدم الجديّة في التعاطي مع المشاكل الكبرى التي تتخبط فيها البلاد بدون حل يطل على المواطن في الأفق . و لذلك بدل ان تأخذ الحكومة و السلطة المخزنية عموما البادرة من اجل البحث عن الحلول الجدية للحد من معاناة المواطنين ، صرنا نرى بشكل دائم مجموعة من الشباب في مقتبل العمر ينتحرون أو يركبون غمار البحر و يعرضون حياتهم للخطر من اجل الوصول إلى الضفة الأخرى ، حيث توجد «جنّة» موهومة ، مازال وسيبقى شبابنا يحلم بها لأنهم بكل بساطة يكتوون في أغلبيتهم الساحقة بنيران الفقر و البطالة والأزمة الاقتصادية و أشكال الفساد مع تسجيل عجز الدولة امام هذا الوضع الكارثي ، فالوطن يتنعم به الاغنياء فيزدادون غنى و يختنق فوق ترابه الفقراء فلا يزيدهم هذا إلا بؤسا يضاف الى بؤسهم . لكن الغريب من كل هذا هو انخراط أغلبية النخب سواء المثقفة أو السياسيّة في الصمت و في حروب التموقع والمصالح ومعارك الشدّ والجذب وتصفية الحسابات والدفع بسيناريوهات الصدام والمواجهة والتقسيم المجتمعي و تحوير النقاش في قضايا ايديولوجية .

و لهذا ، فالمواطن بالمقابل يعيش الأزمة لوحده و يشعر كما لو أنه في جزيرة مترامية الأطراف ، فيبحث عن الحل و إن كان سيكلفه روحه ليجد نفسه يواجه عباب البحر ، و غالبا ما تنتهي مغامرته بنهاية مأساوية أو درامية ، تزيد وضع الأسرة تأزما ، بل هناك من الأسر من تتشرد بعد ذلك و تعاني من جراء غياب المعيل و السكن و بسبب الضعف و الفقر ، و نتيجة منطقية للتراجع المفزع للقدرة الشرائيّة المنهارة . فتتضاعف الضغوطات الاجتماعيّة وتزدادُ المخاوف و القلاقل وعدم الإحساس بالأمان لدى الكثير من العائلات والأسر و يصير وضعهم أشبه بتلك التي تعيش المخاض العسير . إن الاستهتار و العبث بالشعب وبأحلامه وبانتظاراته سيكسر اسطوانة أو اسطورة الاستثناء التي تغنى بها البعض ، و لهذا صار لزاما الانصات الى صرخات المواطنين و مأساتهم المنسية ، و احترام حقوقهم المهدورة و ذلك حتى يتسنى بناء مجتمع متطوّر و قادر على النهوض بأوضاعه و ينعم بالكرامة



نورالدين اعباد