لم تفلح كل السياسات العمومية الخاصة بالتشغيل وتقليص الفوارق الاجتماعية في الحد من معدلات البطالة والتي تعرف ارتفاعا وتناميا مستمرا. وعجزت الحكومات المتعاقبة عن إيجاد حل جذري وملموس لهذه الظاهرة، والتي تعرف انتشارا كبيرا في وسط الخريجين.

وتسهم البطالة في تنامي الحركات الاحتجاجية نتيجة تدهور الدخل المعيشي للأسر المغربية، فيتحول الشباب من باحثين عن العمل إلى محتجين وضحايا لسياسيات تشغيلية. وأضحت علاقة البطالة بالاحتجاج علاقة ترابطية تتمخض عنها خسائر وأعراض جانبية. ومن بين هذه الخسائر والأعراض الجانبية هناك تمظهرات احتجاجية فردية وجماعية، من قبيل إضرام النار في الذات والإضراب عن الطعام والانتحار... فتتحول بطالة الشباب من معضلة اقتصادية إلى ظلم اجتماعي يصرف من خلال شعور «الحكرة» الاجتماعية التي من تداعياتها الانتقال إلى احتباس قيمي بمتغيرات قارة من قبيل تهديد الأمن والسلم الاجتماعي وأخرى مستقلة من قبيل الانسداد الاجتماعي والارتباك القيمي .

لهذا، فإن إستراتيجيات الاحتجاج متنوعة؛ من بينها التحاور والملفات المطلبية والمسيرات والوقفات والتعبئة الافتراضية والهاشتاغ والخروج العلني (coming out) والاعتصام. ففي حالة عدم الاستجابة لمطلب التشغيل والتوظيف ترتدي ردة الفعل النضالية نسق المظلومية والحكرة وتصبح قضية حياة أو موت، مما يشرعن أشكال احتجاجية يائسة من قبيل، الانتحار، الإضراب عن الطعام (معركة «الأمعاء الخاوية»)، حرق الذات الجماعي (الأساتذة غير المدمجين والأساتذة المجازون…)، حرق الذات الفردي، التخلي عن الجنسية..

كما تتجلى تداعيات بطالة الشباب في زعزعة منظومة السلم الاجتماعي وخلق احتباس قيمي لدى أجيال المستقبل (هل حرق الذات قيمة شجاعة أم يأس وفشل؟)، والإقرار باعتباطية النموذج التنموي (عدم استيعاب سوق الشغل للشباب يحيل إلى لا جدوى النموذج)، والنفور من السياسة (Dépolitisation ) وتباعا تعطيل الوساطة المدنية والسياسية (فهي تخلق الهوة ولا تبني الجسور "فيمن غدي نتيقو؟") واللجوء إلى العنف المضاد (التشرميل والعنف وثقافة الكراهية والاكسنوفوبيا (التمثلات إزاء المهاجرين من دول جنوب الصحراء) وتصريف الاحتجاج في مواقع اجتماعية أخرى مثل ميادين الرياضة والفن (الراب)، والانتقال من المشاركة المواطنة إلى الاحتجاج المواطناتي (تم إحراق إحدى الركائز الدستورية لإدماج الشباب ألا وهو حلم الديمقراطية التشاركية).

ويبدو جليا أن وقع أزمة البطالة في تقويض السلم الاجتماعي يظهر في تحريك الموت كلحظة درامية؛ لأن درامية معاناة المحتجين ليست إلا انعكاسا لدرامية الواقع السياسي والاجتماعي، الذي سد كل منافذ الممكن والمأمول: الموت التراجيدي كحل أقصى واستحضار إمكانية الموت كوسيلة للاحتجاج والاحتجاج بالموت لفرض حق التشغيل. وتبقى خوصصة القطاع العام وازدهار الساحل وتهميش الداخل والتفاوتات المجالية وفقدان الثقة بين الشباب والدولة من بين أسباب الإحباط الاجتماعي لدى الشباب.

إن الخروج من هذه الأزمة مرتبط بتحقيق العدالة الوظيفية للشباب في علاقتها بمقولة التنوع وتكريس قيم الانتماء والشعور الوطني والعيش المشترك والاعتراف بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية في مقاربة نسق المواطنة والتماسك الاجتماعي في المغرب؛ لأن ملاءمة التنمية الترابية وانتظارات الشباب يتأسس بالضرورة على مقولة أن الاندماج المحلي هو أساس الاندماج الوطني.

في المقابل، ستظل الاحتجاجات قائمة بالمغرب ويمكن استشراف حلقة من بؤر احتجاجات متعددة ترابيا ومنسجمة مطلبيا ما دامت السياسات العمومية لم تلب ولم تستجب لمنظومة القيم المادية المنشودة من طرف الشباب، لا سيما منها التشغيل؛ فالاحتجاج الشبابي من هذا المنظور تعبير عن انسداد بنيوي لأفق الدولة قد يسقط عقدة الخوف من ناحية وإمكانية انفلات المجتمع في أية لحظة من ناحية أخرى.


 

سعيد بنيس