كلما أعلنت لائحة الأفلام الممولة من طرف المركز السينمائي المغربي إلا وتمت ملاحظة أن الأغلبية كتبها مخرجوها. لا يحتاج المخرج المغربي من يكتب له. نادرا ما يصور المخرج فيلما لم يكتبه. الغريب أن المخرج كاتب السيناريو لا يملك سوابق في كتابة القصة أو الرواية او مسرحية. وهو طارئ على الكتابة ويبدأ بكتابة فيلم روائي طويل. وحده هشام العسري يملتك خلفية روائية.

كل حكم بلا دليل تافه، لذا ولتجنب التعميم هذا استدلال رقمي. إحصائيا من ضمن خمسة وعشرين فيما الأخيرة (حسب كاتالوغ صادر عن المركز السينمائي المغربي في 2017) خمسة فقط لم يكتبها مخرجوها. أي أن 80 في المائة من الأفلام كتبها مخرجوها. فيلم "وليلي" كتبه فوزي بنسعيدي، "صمت الزنازن" كتبه محمد نبيل، "رقصة الرتيلاء" كتبه ربيع الجواهري، "غزية" كتبه نبيل عيوش، "كلام الصحرا" كتبه داوود أولاد السيد، "بورن آوت" كتبه نور الدين لخماري. "دموع الرمال" كتبه عزيز السالمي. وتمثل بعض هذه الأفلام حالة إنهاك إبداعي تجعل فيلما تمر فيه لقطة من 240 ثانية وفيها صفر معلومة.

تفسيرا لهذا الوضع زعم مخرج يكتب لنفسه "ليس عندنا كتاب سيناريو". هذا وكأن السيناريوهات التي صورت وعرضت في مهرجان طنجة مارس 2017 وكتبها مخرجوها تتضمن أحداثا متماسكة ولديها بطل واضح. جلها فيه خمسة شخصيات لا علاقة صراع بينها لذا لا نعرف من ستتبعه الكاميرا ولماذا. فيها فلاش باك كثيف وهذا عائق. الفيلم الذي يريد حكي الماضي والحاضر دفعة واحدة يرتبك. يجعل السرد التراجعي الأبناء يلدون آباءهم. ولكشف علاقة المتفرج المغربي مع الزمن هذه عينة لردود الفعل لدى المغاربة بعد نقص ساعة للتوقيت الصيف، كتبوا ساخرين: زد ساعة انقص ساعة. لم نعد نعرف الوقت هذا عبث تعطلت ساعتي. من فرط تكرار زد ساعة انقص ساعة تبلبلنا. فلاش باك ستين دقيقة بلبل الشعب. وهذه رسالة لكتاب السيناريو الذين يتلاعبون بالزمن ويرجعون العقارب أربعين سنة للوراء.

حاليا يجب أن يتغير هذا الوضع لأن السياق تغير. قبل عشرين سنة كان السينمائيون المغاربة يبررون ضعف إنتاجهم بنقص التمويل، في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين تضاعفت ميزانية صندوق دعم الأفلام عشر مرات، سطرت القنوات التلفزيونية سياسية إنتاجية مكثفة، وهكذا ظهر أن الخلل في السيناريوهات، هناك أزمة إبداع لا أزمة نقود، صار سؤال السيناريو في الواجهة.

لرصد هذا التحول قدمت مجلة سيني ماج CINEMAG عدد دجنبر 2009، ملفا شاملا عن السيناريو شارك فيه يوسف فاضل، لطيف لحلو، كمال كمال، الجيلالي فرحاتي، محمد باكريم، هشام العسري، فريد الزاهي... وقد خلصوا لما يلي:

يكتب السيناريو في المغرب دون مرجعية روائية، دون معرفة قواعد الحكي الأرسطية. بينما سينما المؤلف الأوروبية هي في جزء منها ابنة القرن التاسع عشر روائيا وصناعيا. في مصر بدأت كتابة السيناريو ضمن تقاليد روائية، بل هناك روايات شعبية كانت تنشر في الصحف وصورت. نشأت السينما الآسيوية في نسيج ثقافي مشبع بتقاليد الحكي والسرد.

تبين هذه المقارنات مشكل السيناريست المغربي مع الحكاية. مهما قيل عن الصورة، فإن الفيلم يُستقبل من طرف المتفرج كحكاية للاستهلاك، ومن هنا أهمية الكتابة. أهمية السرد.

وجاء في الملف أيضا: تعاني السيناريوهات المغربية من خلط يصعّب التقطيع التقني. تفتقد التناسق الداخلي بشكل واضح مما يربك المشاهد. تعاني من خلل في طريقة التقديم، تفتقر إلى وصف الحدث. تعاني من ضعف الكتابة البصرية لأن السيناريست المغربي يكتب مركزا على الكلمات أكثر من الصور. وتترك مساحات فارغة في الكتابة على أمل ان يملأها الإلهام أثناء التصوير، وغالبا ما يتم تعويض غياب الإلهام بالارتجال.

بعد تسع سنوات عن الملف لم يتغير الكثير لذلك لا يأتي الجمهور لقاعات السينما حتى أن التذاكر المبيعة في 2017 أقل من تلك التي بيعت في 2013. ولذلك لا تحقق الأفلام المغربية جوائز في مهرجانات كبرى، حتى أن فوز فيلم صوفيا لمريم بنمبارك بجائزىة السيناريو في مهرجان كان فسر كجائزة نضالية نسائية لا فنية سينمائية.

ولمن لم يقتنع ننتقل للبرهان بالخلف، فالفيلم الذي احتل المرتبة الأولى في شباك التذاكر في 2017 وسيحتلها حتى في 2018 لم يكتبه مخرجه إدريس المريني. فيلم "الحنش" الصامد في القاعات منذ ستة اشهر كتبه الروائي والسيناريست عبد الإله الحمدوشي الذي يقر "المشكل في السينما المغربية هو أن كاتب السيناريو المحترف على قلته ليس له أي اعتراف ولا بطاقة ولا اطار يحدد عمله لذا يبقى تحت رحمة المنتج أو المخرج ..وهذا ما يجعل الجميع يبتعد عن احتراف كتابة السيناريو رغم وجود أزمة سيناريوهات".

النتيجة الآنية: يقرر كل كاتب سيناريو أن يصير مخرجا. مثلا الروائي يوسف فاضل كتب سيناريوهات بعض الأفلام لكنه تعب من إرسال السيناريوهات للمخرجين فغير المهنة. لحد الآن فقد المشهد كاتب سيناريو ولم يربح مخرجا.

نتيجة النتيجة: في معهد مهن السينما لا يريد الطلبة أن يكونوا كتاب سيناريو.

هذا وضع يمكنه أن يفسر الكثير من القضايا التي تمت مناقشتها في نقد الأفلام المغربية.


 

محمد بنعزيز