دعا الملك محمد السادس إلى تغليب منطق الوحدة على الشعبوية بمختلف أشكالها ورفض سياسة الانغلاق واعتماد الحوار والتعاون الدولي للتوصل إلى حلول لكسب الرهان الكبير لظاهرة الهجرة، وقال إن اهتمام المغرب بمسألة الهجرة ليس وليد اليوم ولا يرتبط بظريفة طارئة، بل هو نابع من التزام أصيل وطوعي مُجسد في سياسة إنسانية في فلسفها وشاملة في مضمونها وعملية في نهجها ومسؤولية في تطبيقها.

وأضاف الملك، في كلمة بعث بها إلى المشاركين في المؤتمر الحكومي الدولي حول الهجرة اليوم الاثنين بمراكش ألقاها رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، أن رؤية المغرب هذه تقوم أساساً على استشراف المستقبل من أجل تنظيم حركية الأشخاص وتحقيق توزان سليم بين الواقعية والطوعية وبين المصالح المشروعة للدول واحترام حقوق الإنسان للمهاجرين.

وتابع الملك في خطابه قائلاً: "ليس هناك مكان أنسب وأكثر رمزية لاحتضان لقاء تاريخي كالذي نجتمع فيه اليوم أفضل من إفريقيا، فهي أرض التنقلات البشرية الأولى، ومن المغرب أرض الهجرة والعبور والاستقبال، ومن مراكش بالتحديد التي ظلت على الدوام ملتقىً لمختلف الثقافات".

واستطرد ملك البلاد في كلمته: "يسعدنا أن نُرحب بكم في مدينة مراكش على أرض إفريقية بمزيج من مشاعر الاعتزاز والتواضع، فالاعتزاز نابع من اختيار المجتمع الدولي للمغرب لاحتضان هذا الحدث التاريخي، والتواضع مصدره جسامة القضية التي تجمعنا والعمل الذي مازال ينتظر".

واعتبر الملك أن البشرية تعتمد اليوم، في سنة 2018، بكل إيمان واقتناع الطابع العالمي للهجرات البشرية بعيداً عن الحدود والانقسامات والقارات، وتزامناً مع الذكرى السبعين لاعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنساني، وقال إن التاريخ سيسجل أن هذا الحدث التأسيسي انعقد خلال ولاية أنطوينو غوتيريس على رأس الأمم المتحدة.

ولفت الملك إلى أن نجاح مقاربة المغرب للهجرة جعلت الأفارقة يكلفونه بمهمة رائد في الاتحاد الإفريقي بموضوع الهجرة، وأضاف في هذا الصدد: "من الطبيعي إذن أن تتوافق رؤيتنا على الصديعين الوطني والقاري مع التزامنا على المستوى الدولي من خلال الميثاق العالمي، فهما يندرجان في إطار البحث عن توافقات خلاقة بين إدارة الحدود وضرورة حقوق المهاجرين وبين الهجرة والتنمية".

وشدد الملك على أن "مسألة الهجرة ليست ولا ينبغي أن تُصبح مسألة أمنية، فإذا قامت على العقاب والقمع لن يكون لها أثر أو تأثير رادع بل ستؤدي إلى نتيجة عكسية بتغيير مسارات الهجرة ولكن لن توقفها، لذا لا ينبغي أن تكون المسألة الأمنية مبرراً لخرق حقوق المهاجرين لأنها حقوق ثابتة وغير قابلة للتصرف".

وأكد ملك البلاد أن "تواجد المهاجر في هذا الجانب أو ذاك من الحدود لا ينقص من إنسانيته أو كرامته ولا يزيد منها، والمسألة الأمنية لا يمكن أن تكون مبرراً لعدم الاهتمام بسياسات التنمية الاجتماعية والاقتصادية التي تهدف إلى الحد من أسباب الهجرة الناجمة أساساً عن هشاشة أوضاع المهاجرين".

واعتبر الملك أن الميثاق العالمي للهجرة، المصادق عليه اليوم الاثنين بمراكش من طرف أكثر من 150 دولة، يبقى لحد الآن مجرد وعود، وقال: "يظل الميثاق العالمي للهجرة لحد الآن مجرد وعود سيحكم التاريخ على نتائجها، والوقت ما زال مبكراً للاحتفال بنجاحها".

وبحسب الملك، يبقى التحدي هو إثبات مدى قدرة المجتمع الدولي على التضامن الجماعي والمسؤول بشأن قضية الهجرة، وشدد على ضرورة احترام الحق السيادي لكل عضو من أجل تحديد سياسته الخاصة في مجال الهجرة وتنفيذها.

كما أشار الملك محمد السادس إلى أن تحدي مهرجان مراكش يتجلى "في تغليب منطق الوحدة على الشعبوية بمختلف أشكالها ورفض سياسة الانغلاق واعتماد الحوار والتعاون الدولي للتوصل إلى حلول بناءة لكسب الرهان الكبير لظاهرة الهجرة عبر العالم".

وزاد قائلاً: "لا يمكن لأي بلد أن يواجه تحدي الهجرة، والميثاق ليس غاية في حد ذاته ولا يستمد معناه الحقيقي إلا عبر التنفيذ الفعلي لمضامينه، وهذا ما يجعل من مؤتمر مراكش نداءً من أجل المبادرة والعمل قبل أي شيء آخر".

وفي حديثه عن إفريقيا، أشار الملك إلى أن القارة استجابت لهذا النداء، ولن تظل على الهامش وتكتفي بموقف المتفرج، بل ستكون فاعلاً رئيسياً في تنفيذه، مورداً في هذا الصدد الأجندة الإفريقية للهجرة التي كانت سباقة لإعطاء الأهمية التي منحها الميثاق العالمي لمختلف ديناميات الهجرة، وأحدث في هذا الصدد مؤسسةً قائمةً هي المرصد الإفريقي للهجرة الذي يحتضن المغرب مقره.

وختم الملك محمد السادس رسالته قائلاً: "جوهر القضية هو وضع حد لحالة الفوضى وانعدام النظام والحرص على إضفاء طابع إنساني على النظام المنشود للهجرة، والصفحة التي نكتبها اليوم في سجل التاريخ هنا في مراكش تُعد مبعث فخر للمجتمع الدولي الذي أضاف خطوة أخرى لإقامة نظام جديد للهجرة أكثر عدلاً وأكثر إنسانية".

جدير بالذكر أن مؤتمر مراكش، المستمر غداً الثلاثاء، يعد ثمرة 18 شهراً من المفاوضات المكثفة بين البلدان، ويوصي بتبني الممارسات الفضلى في مجال الهجرة في إطار احترام حقوق الإنسان وسيادة الدول. وبالإضافة إلى المسؤولين الحكوميين، يشارك في هذا المؤتمر أزيد من 700 شريك، ضمنهم ممثلون عن المجتمع المدني والقطاع العام ومهاجرون.