ماذا تعني الكتابة في زمن اكتسحت فيه الصورة الرقمية كل مجالات المعرفة ، من أشرطة وأخبار ومنشورات وبرناميات إلى الكتاب الرقمي الذي أصبح هو الآخر مهددا بالزوال إذا لم يخضع لآليات القراءة السماعية التي تعفي القارئ من عناء توظيف بصره في القراءة وقراءة القراءة .

عامل السرعة والاقتصاد في الطاقة وبذل المجهود ، انتقل إلى مجال الإنتاج المعرفي وتحديدا المطالعات ليغزوها ويحولها إلى سماعية ، وفي أفضل صورها مقترنة بمعزوفة موسيقية دالة وصور متلاحقة إذا كانت سردية حكواتية . القراءة السماعية هذه لها ميزة في ملاحقة قراءة السطور ، لكنها لا تسمح للمستمع "التقليدي" من استعمال آليات الربط بين الفقرات والوقوف على الأفكار الرئيسة والجزئية ، أو حتى القراءة بين السطور ، ولو أن توقيف الشريط وإعادة تشغيله بدرجة معينة بات ممكنا .

هذه القراءة ؛ وبهذه المواصفات ؛ تعد إحدى التقنيات التي توظفها المدرسة الابتدائية في اكتساب المهارة القرائية لدى التلاميذ ؛ يتلو الأستاذ النص على مسامع التلاميذ ليوجه رزمة من الأسئلة حول الفكرة المركزية للنص ومعانيه العامة .. وهي ؛ في مجملها آليات لتمهير أذن التلميذ على حسن تلقي الخطاب وتركيزه وتوجيه انتباهه .

الاتجاه إلى رقمنة الإنتاج الفكري

إلا أنه ؛ وفي ظل العالم الرقمي الذي أصبح يجتاح حياتنا ؛ أصبحت الوظائف البيولوجية للإنسان مهددة بانحسار تام ، والاتجاه إلى تعويضها ببدائل أخرى "اصطناعية" على شاكلة الروبوت Robot الذي آلت إليه هذه الوظائف ، حتى أصبحت طاقته ذات خصوصيات قادرة أن تقرأ وتكتب لصاحبها وتصحح له النصوص وتنتقي له من عيون الأدب العالمي ، كما أضحى ممكنا ؛ وفي غمرة إقبال الإنسان على اقتناء نظيره الآلي ؛ أن يترجم له النصوص بدقة متناهية ، وكل ما تجود به المطابع الرقمية Numeric فيسردها "لسيده" ويتوقف .. أو يستعيد فقرات منها أو يذكره بأفكار مشابهة لها وردت في كتاب أو مطبوع رقمي آخر . وهكذا ؛ وبفعل تراجع نسب القراءة الورقية على مستوى العالم ؛ سيبقى أمام المؤلف والكاتب والقصاص والروائي ، وكل باحث أو عالم وفيلسوف أن يتجه إلى رقمنة digitize إنتاجه الفكري وصبه في قوالب تقنية ذات مواصفات متنوعة ؛ تسمح بإجراء عمليات عديدة ، كالقراءة الآلية للنص وتحليل فقراته واستخلاص الأفكار العامة وإجراء مقارنات بينها .. وهي في عمومها ـ كما نلاحظ ـ روبوتيكية Robotic ، لا نعلم ما إذا كانت تتفق مع آراء المستمع ، وإن كان الزمن لم يعد متاحا لتفرغه لهكذا العمليات القرائية .

روبو صغير متعدد الوظائف (Mini Robot multiple fonctions )

العديد من المدارس في الدول الغربية وآسيا ، وبالأخص اليابان عمدت إلى هذه التقنية التكنولوجية جد متطورة ، صممتها بخصوصيات مندمجة مع برامجها ومناهجها التعليمية ، داخل المدارس اليابانية ؛ تمكن ناشئتها ؛ ومنذ سن مبكرة ؛ من التعامل مع الروبوت في مجال إقراء القصص Readout والنصوص الوظيفية والموسيقية (نوطا) لتمهير حاسة سمعه على إدراك المعاني ووظائف الأشياء ، دون الحاجة إلى استعمال بصره .. أو أحيانا تكون مقترنة بصور على السبورة التفاعلية لتجويد وتدريب الحاستين القرائيتين في آن واحد (سماعية بصرية) .



عبد اللطيف مجدوب