"لا ضريبة تستحق أن تضع وحدة البلاد في خطر"  بهذه الجملة ذبج رئيس الوزراء الفرنسي ادوار  فليب بيانه الذي أعلن فيه الرضوخ والاستجابة لمطالب حراك ما اصطلح عليه حراك السترات  الصفراء معلنا تعليق الضرائب والرسوم وتخفيض اثمنة المحروقات  التي كانت  الشرارة التي أشعل هذه الانتفاضة

لم تتجاهل الحكومة الفرنسية هذه الحراك لشهور او صمت آذانها عن الاستماع لمطالبه يضيف رئيس الحكومة الفرنسية " يجب أن يكون المرء أصم أو أبكم حتى لا يرى هذا الغضب " 

لهذا وجدت الحكومات في الدول الديقراطية  لتسمع لنبض الشارع والإحساس بمعاناة وألام مواطنيها والعكوف على إيجاد حلول لقضاياهم ومشاكلهم .

لم تجتمع الأحزاب المشكلة للحكومة الفرنسية ومعها الإعلام المطبل والنخب المنحازة لتتهم المحتجين بالخيانة والعمالة والانفصال وخدمة أجندات خارجية

بل أبدى الجميع تفهما كبيرا وأكثر من ذلك تقديرا خاصا لهذا الحراك  وهذا ما عبر عنه بالحرف رئيس الوزراء الفرنسي حين قال "إنهم يحبون بلدهم "

ومع عدم قبول المحتجين لعرض الحكومة يسارع الجميع من أجل احتواء الوضع وتبدي الحكومة استعدادا لمزيد من التنازلات

فالاحتجاج والمطالبة بتحسين أوضاع البلاد في أبجديات الديقراطية حب للوطن وإخلاص له لا مس بهيبة الدولة وخيانة للوطن كما في عرف الاستبداد .

ورغم خروج الاحتجاجات في كثير من الأحيان عن  سلميتها وانزلاقها في دوامة العنف والتخريب لم نسمع عن عسكرة مدن وترويعها  واعتقالات بالجملة  وتلفيق تهم ومحاكمات صورية 

لم نسمع من النخب من وصفهم بالقطيع أو الأوباش أو المداويخ أو الشردمة التي تريد زرع الفتنة وزعزعة  استقرار البلد  أو غيرها من الأوصاف التي تنهل من قاموس الإهانة والإذلال والتحقير ،سمعنا فقط تأكيدهم على ألا شيء يستحق أن يضع استقرار الامة في خطر .

دروس كثيرة تلك التي ينبغي ان يستخلصها المسؤولون  من انتفاضة السترات الصفراء في الانصات والرزانة والتعقل وجعل مصلحة الوطن والمواطنين فوق كل اعتبار؛  فهبة الوطن في كرامة أهلها ورقيهم 

أما الرسالة التي ينبغي أن تتلقاها النخب والاحزاب و هيئات المجتمع هي ضرورة انحيازهم لقضايا الشعب والاصطفاف الحقيقي إلى جانبه  والانصات لنبضه بعيدا عن منطق التعالي والإقصاء والاحتكار   فالشعوب في سعيها الحثيث نحو التحرر والانعتاق لم يعد في وسعها قابلية للوصاية أو مزيد  من الإنتظار 



الطيب مؤنس