تستعد السلطات الفرنسية لمواجهة موجة من أعمال الشغب العنيفة السبت مع الدعوة إلى تظاهرة جديدة في باريس دعت إليها "السترات الصفراء" غير آبهة بالمناشدة إلى التهدئة، مع نشر تعزيزات للشرطة والطلب من متاجر الشانزليزيه الإغلاق.

وامتد التململ في الأيام الماضية إلى صفوف طلبة المدارس الثانوية والجامعات والمزارعين الذين اغتنموا تحرك أصحاب السيارات الخاصة الذين ينتقلون بين المدن والريف احتجاجا على سياسة الحكومة الضريبية والاجتماعية، لتقديم مطالبهم المختلفة عنها.

وشهدت حوالي 200 مدرسة ثانوية ومعهدا وبعض الجامعات اغلاقات أو اضطرابات مجددا الخميس لليوم الرابع. وتحول العديد من التظاهرات الطلابية إلى أعمال شغب فأحرقت صناديق قمامة وأصيبت سيارات بأضرار واشتبك المتظاهرون مع الشرطة في مختلف المدن في جميع أنحاء فرنسا في مشاهد تذكر بأعمال الشغب التي شهدتها باريس السبت الماضي وشاهدها العالم.

وتحسبا لموجة عنف، طلب من أصحاب متاجر جادة الشانزليزيه، محور الشغب، إبقاءها مغلقة السبت كما تقرر غلق عشرات المتاحف وبرج إيفل.

وفي بورودو في الغرب التي شهدت كذلك مواجهات عنيفة، أعلنت البلدية إغلاق نحو عشرة مراكز عامة وثقافية.

وتقرر تعزيز الشرطة في كافة أنحاء فرنسا بأعداد تضاف إلى 65 ألف دركي نشروا السبت الماضي في المواقع الحساسة، وفق وزير الداخلية كريستوف كاستانير.

وقال القصر الرئاسي مساء الأربعاء إنه يخشى من أن تشهد تظاهرة السبت "أعمال عنف واسعة" بعد أن بادرت الحكومة بخطوة أملت أن تكون حاسمة عبر إلغاء زيادة الضريبة على الوقود عن كامل سنة 2019.

وهذه الضريبة كانت السبب المباشر وراء تحرك "السترات الصفراء "، وهم السائقون العاديون الذين يعيشون في الريف وينتقلون بسياراتهم الخاصة للذهاب للعمل في المدن.

لكن هؤلاء الذين بدؤوا تحركهم قبل ثلاثة أسابيع، لم يكترثوا لهذه التنازلات التي اعتبروها غير كافية وأكد عدد كبير منهم مشاركتهم في تظاهرة باريس.

وعند تقاطع قرب ميتز في الشرق، قال العامل المتقاعد جويل وهو لم يسبق أن تظاهر منذ مايو/ايار 1968، "راتبي التقاعدي 700 يورو ونريد أن نعيش. الناس يريدون أن يعيشوا من عرق جبينهم. لقد أثار ماكرون بلبلة، أعتقد الناس أنه سيغيِّر الأمور ويحسِّن قوتهم الشرائية، لكن العكس هو ما حدث".

وقال سيلفان العسكري المتقاعد إن ماكرون "يظننا حمقى. لو تطلب الأمر أن نذهب إليه إلى قصر الإليزيه سنفعل. طالما هو هناك فلن يتغير شيء. إنه دجال وكاذب. إنه يحتفرنا".

وبعد أن وعدت بتجميد سعر الوقود والكهرباء خلال الشتاء وبمشاورات واسعة حول مطالب المتظاهرين، بادرت الحكومة إلى التخلي عن زيادة ضريبة الوقود لعام 2019 الذي كان الشرط الرئيسي للمتظاهرين، لكن لا يبدو أن هذه المبادرة التي تمثل ربحا فائتا قدره 4 مليارات يورو، وفقا للحكومة، أقنعت المتظاهرين.

والخميس، واصل رئيس الوزراء إدوار فيليب نقاشا في مجلس الشيوخ بدأه الأربعاء في الجمعية الوطنية دفاعا عن التدابير المتخذة بشكل عاجل، لكن أمام عدم التجاوب لم يكن أمام رئيس الحكومة سوى الإقرار بأن "الغضب لا يزال غير مفهوم وخارج السيطرة".

وفي بادرة جديدة، بدا فيليب منفتحا على إقرار تدابير لتحسين الأجور المتدنية وهي من بين مطالب المحتجين على ألا تؤثر على تنافسية الشركات.

وفي المقابل، بات مستبعدا البحث في إعادة فرض الضريبة على الثروة بعد أن رفضه الرئيس ايمانويل ماكرون.

ويبدو أن الاختلاف داخل الحكومة حول الضريبة على الثروة فضلا عن التأجيل المتكرر لفرض ضريبة الوقود التي عُلقت ثم ألغيت، يؤكد الحالة العصبية التي استحوذت على السلطات أمام خطر تفاقم الأزمة.

لكن وزير الزراعة ديديه غيوم قال إن "الرئيس ليس عصبيا، إنه قلق. هناك قسم من الشعب ينتفض ويجب تقديم إجابات".

وطالب ماكرون الذي تنصب عليه الانتقادات خلال التظاهرات رسميا من الأحزاب السياسية والنقابات وأصحاب الشركات بتوجيه "دعوة صريحة وواضحة للهدوء".

وقال فيليب أمام النواب "إن أمن الفرنسيين ومؤسساتنا على المحك. جميع الجهات الفاعلة في النقاش العام والقادة السياسيين وقادة النقابات والإعلاميين والمواطنين سيكونون مسؤولين عن كل ما يصدر عنهم من تصريحات في الأيام المقبلة".

وفي بادرة نادرة تعبيرا عن وحدة الصف، استجابت سبع نقابات للدعوة ونددت الخميس "بكل أشكال العنف لدى التعبير عن المطالب".

ودعا زعيم حزب الجمهوريون اليميني المعارض لوران فوكييه المحتجين بتجنب "كل أشكال التعبير العنيف السبت المقبل"، فيما تمنت كتلة النواب الاشتراكيين أن تجري التظاهرة دون مواجهات.

وفي جميع أنحاء فرنسا، تتزايد الدعوات للتعبئة السبت في حين تحدثت وزارة الداخلية عن "تعبئة من أقصى اليسار وأقصى اليمين".

وبالإضافة إلى خشيتها من أعمال عنف السبت، تخشى الحكومة من اتساع نطاق الغضب إلى قطاعات أخرى، فبالإضافة إلى المدارس الثانوية، أعلنت النقابة الزراعية الرئيسية عن تنظيم تحرك طيلة الأسبوع المقبل.

ودعت نقابتان للنقل البري إلى الإضراب اعتبارا من مساء الأحد لفترة غير محددة.