يعتبر موضوع العنف ضد النساء من أكثر المواضيع الاجتماعية تداولا في بلادنا. ومنذ البدء، لا يسع العاقل من الناس إلا أن يكون ضد العنف بكل ألوانه وصوره، وأنى كانت الجهة التي يصدر عنها؛ فالعنف مدان دائما، من أي كان، ضد أي كان.

وفي خضم النقاش واحتدام الردود وتشابكها، يتعرض موضوع العنف المرتبط بعلاقة المرأة بالرجل إلى الكثير من الاختزال والتبسيط؛ وهو ما يستدعي بعض التوضيح والتبيين.

لا بد أولا من تحديد معنى العنف، بما هو مصطلح يتم الاشتغال عليه، وبه، دون الانتباه إلى أهمية تحديد مدلوله أحيانا كثيرة؛ وهو ما يؤثر على مسارات النقاش وتداعيات الكلام.

إن العنف، في أوضح معانيه وأبسطها، هو إلحاق الأذى، المادي أو المعنوي، أو هما معا، بالكائن الحي، أو التسبب في ذلك، بشكل من الأشكال؛ فكل من يمارس فعلا غير مقبول، شرعا أو قانونا، أو هما معا، اتجاه كائن حي، إنسانا كان أو حيوانا أو نباتا بل وجمادا أيضا، يعتبر عمله انتهاكا وعنفا ضد الآخر. إن مصطلح العنف يحمل دلالات أشمل وأعمق مما يتم تداوله اليوم، وحضور العنف وانتشاره إنما يترجم في العمق ويكشف المستوى الفكري والتربوي والقيمي لأصحابه ومقترفيه، رجالا كانوا أم نساء. وإن العنف الذي يمارس ضد المرأة لون من ألوان العنف، التي توجد وتتشابك وتتداخل عناصرها داخل مجتمع من المجتمعات، ومنها مجتمعنا. وكما للرجل عنفه، المعبر عن حقيقته وطينته، فللمرأة أيضا عنفها المعبر عن حقيقتها وطينتها. ومن ثمّ، لا يستقيم الحديث عن العنف اتجاه المرأة إلا باستحضار هذا البعد العلائقي لموضوعة العنف. إنهما عنفان اثنان، ممكنان معا، وموجودان معا، أولهما ذكوري والثاني أنثوي، نسبهما متفاوتة وأسبابهما وبواعثهما تختلف أحيانا،وتتداخل أحايين أخرى، والمطلوب والموضوعي والعلمي هو استحضار العنفين معا، والتعرف على تفاصيلهما معا، والعمل على معالجتهما معا، ليصلح أمر صاحبيهما معا، الرجل والمرأة. للرجل عنفه، نعم، ولكن، وللمرأة عنفها أيضا. وقد يكون عنف بعض الرجال، أحيانا كثيرة، مبعثه عنف المرأة، والعكس صحيح تمام؛، غير أن الكثير من المتحدثين في موضوع العنف ضد المرأة لا يرون إلا الصورة الظاهرة، ولا رغبة لهم في التعرف على التفاصيل، وفي التفاصيل تسكن الشياطين، كما يقول الفرنسيون، أي توجد الحقائق الصريحة، بل والصادمة أحيانا.

للرجل عنفه ضد المرأة، وهو مدان ومرفوض ومؤسف، ولكن للمرأة أيضا عنفها، تمارسه بوسائلها الخاصة وبدهائها الخاص وبمكرها الخاص، وبكل ما تملك كأنثى ضد الرجل، وهو ما لا يتم الحديث عنه عندنا، لسببين اثنين: الأول ذاتي، يهم الرجل الذي لا يقبل الاعتراف بمعاناته الظاهرة والخفية من ألوان من العنف، تمارسها عليه زوجه بخاصة، لأن ذلك في عرفنا الذكوري، نحن الرجال، يعتبر ضربا من النقصان، الذي لا يليق بكبريائنا وأنفتنا المريضة. والسبب الثاني موضوعي، يهم هذه الجمعيات والأصوات المدافعة عن المرأة، ادعاء أو حقيقة، والتي لا تقبل هي الأخرى ولا تريد أن تقول إن للمرأة عنفها أيضا، ولا بد من البحث في عنف الرجل ضدها عن عنفها هي الأخرى ضده، حتى تكتمل الصورة وتتضح وتتجمع عناصر الموضوع، ويتم بالتالي تقديمه بطريقة سليمة تامة غير منقوصة، حتى تكون المعالجة أيضا تامة وشاملة وغير منقوصة، أليست الغاية في النهاية هي بناء علاقة صحيحة، قائمة على تفاهم وعمق وتقدير ومعنى؟

نعم، ومرة أخرى، هناك نساء كثيرات تعانين من عنف ذكوري ظاهر وخفي، وهذا سلوك مدان وغير مقبول؛ ولكن، وفي المقابل، هناك أيضا رجال كثر يعانون، وفي صمت، من عنف زوجاتهن بخاصة، وهو أيضا عمل غير مقبول، ويجب أن يدان وبصوت مسموع.

وحتى لا يكون كلامي مجرد مزاعم بلا دليل، أعرض لبعض ألوان العنف التي تمارسها المرأة ضد الرجل، وأركز على المرأة الزوجة، باعتبارها الملازمة للرجل، والحاضرة إلى جنبه باستمرار.

الإهمال: تعمد بعض النساء، أحيانا كثيرة، إلى سلوك أسلوب الإهمال وعدم الاهتمام في التعامل مع أزواجهن، لأسباب قد لا تكون معقولة ولا كافية لتبرير هذا السلوك، إن كان يحتاج فعلا إلى تبرير؛ فتجد المرأة لا ترد لزوجها تحية، ولا تشاركه حديثا، وتأتي من الأعمال والتصرفات ما يكره، وتتلفظ بما لا يحب من الأقوال، أمامه وفي وجهه، وهذا باب في القبح عريض وطويل، يعانيه الكثير من الأزواج، ويختارون بدل الكلام الصمت، وبدل التذمر الصبر الجميل، وهذه العينة من الرجال هي التي تنعت عندنا بالدراويش، والمساكين.

الإسراف والتبذير: وهذا لون آخر من العنف، تسلكه الكثير من النساء، في التعامل مع أزواجهن، فتجدهن تنفقن الأموال لغير حاجة، ولا ضرورة، تشترين أي شيء، بأي ثمن، ولا حق في التعليق، والغاية واضحة، إنها محاصرة الزوج المسكين والدرويش ماديا، وإرباكه معنويا، بإغراقه في هموم القروض المتراكمة، وحين تبحث عن الأسباب، قد لا تجدها شيئا ذا بال، يستحق كل هذا الهجوم، وكل هذا العنف.

هجران الفراش: وهذه صورة أخرى من صور العنف التي تمارسها الكثير من النساء ضد الرجال، أو هكذا يتصورن الأمر، حيث يحرمن أزواجهن، بل وأنفسهن أيضا، من المعاشرة الزوجية الطبيعية، بمنطق يبدو غريبا وغير مفهوم، يتم فيه ما يشبه الانتقام، من الذات والآخر معا، بل ومنهن من تعمد إلى مساومة زوجها، ومطالبته بما لا طاقة له به، من أموال وأغراض، مقابل المعاشرة الحميمية في الفراش. طبعا، لا أتحدث عن المرأة التي لها أعذارها المعقولة والمقبولة، هذا أمر معروف ومفهوم، وتفسيره بين الزوجين في الحالة العادية سهل وميسر؛ بل أتحدث عن سلاح الهجران في الفراش، والذي تشهره بعض النساء في وجوه أزواجهن، وأنفسهن معا، وبشكل غريب وصامت ولشهور، بل وأعوام أحيانا، ولأسباب لا تبسط ولا تكشف، ليتم التواضح والمصارحة.

سوء معاملة عائلة الزوج: إنه لون آخر من العنف، تواجه به الكثير من النساء أزواجهن، حيث تجدهن كسولات شاكيات متذمرات عبوسات الوجوه والملامح، قاسيات الكلام والعبارات، عصبيات المزاج والحركات، كلما حضرت عائلة الزوج، منشرحات في غير ذلك.. ومرة أخرى، لا بد أن هناك أسبابا نعم، ولكن هل كل الأسباب أسباب معقولة، ومقبولة...

هذا ما لا تناقشه جمعيات (الدفاع) عن النساء ضحية العنف. نعم، إن للمرأة عنفها الكبير اتجاه الرجل، تماما كما للرجل عنفه الكثير ضدها، وطريق الحل الصحيح والعلمي والموضوعي هو بسط الموضوع كاملا بكل عناصره وصوره.


إبراهيم أقنسوس