لقد عاد المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، وبدأ يقتحم أجهزته نحو البرلمان الإفريقي ومجلس الأمن والسلم، رغم المتاعب والعراقيل التي يصنعها خصوم الوحدة الإفريقية للأسف. ومن أهم اللقاءات التي عقدت مؤخرا بالمغرب نذكر الدورة الثامنة لقمة منظمة المدن والحكومات المحلية المتحدة الإفريقية (أفريسيتي) شهر نونبر 2018.

وقد توجت هذه الدورة بإشادة جلالة الملك بإطلاق حملة مدن إفريقية بدون أطفال في وضعية الشارع، الذين يشكل عددهم حوالي 30 مليون طفل بإفريقيا، كما أكد على ذلك جلالته من خلال الرسالة الملكية التي تليت بالمؤتمر من قبل صاحبة السمو الأميرة للا مريم. وهذا نقيض لقيمنا الإفريقية، ويتطلب التنزيل الفعلي والعملي لهذا الالتزام الإفريقي، في أفق تقويم العمل خلال 3 سنوات كما نصت على ذلك الرسالة الملكية التي اعتبرت خريطة طريق للتخفيف من معاناة أطفال الشوارع بإفريقيا.

ومن أهم خلاصات هذه الدورة التي حضرها أكثر من 6000 مشارك العمل سويا من أجل التنمية الترابية المستدامة، وبناء استراتيجيات جديدة متناغمة مع التحولات الاجتماعية والحضرية والترابية، واعتماد التشاركية بإدماج المواطنين في الحوار والتخطيط ووضع السياسات العمومية الحضرية والبرامج المجالية والشراكات الدولية مع المؤسسات في إطار علاقة متناغمة بين السلطات العمومية والمؤسسات المنتخبة والقطاع الخاص والمجتمع المدني بحكامة ديمقراطية جيدة.

كما تم التركيز على اللامركزية في تناغم مع اللا تركيز خدمة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في إطار الانسجام. وركزت الدورة على أهمية البعد الثقافي في علاقته بالتنمية المحلية، بناء على عنصر التخطيط الترابي الحضري الذي يحد من الهجرة غير الشرعية، وإحداث التوازن بين الأجيال.

ويمكن تسطير أهم النتائج فيما يلي:

-تفعيل شبكة النساء المنتخبات المحليات الإفريقيات.

-اعتماد استراتيجيات وبرامج مبدعة في إطار التكاملية بين التشاركية والتمثيلية.

-الاهتمام بالتخطيط الترابي والحضري.

-استهداف التنمية المستدامة بالقواعد الدولية مع استحضار الخصوصيات الترابية من حيث التوازن بين الشكل والمضمون.

-جعل الثقافة في قلب التنمية الترابية والمجالية الحضارية.

-أهمية التوسع الديمغرافي والحضري في البعد التنموي.

-التكاملية بين الديمقراطية التشاركية والديمقراطية التمثيلية.

هناك حدث إفريقي لا يقل أهمية عن الأول ويتعلق بالهجرة، فما هو الهدف من هذا الملتقى الأممي الذي سينعقد بمراكش خلال شهر دجنبر 2018؟

إن الهدف من الميثاق المرتقب بمراكش هو تحقيق مقاربة جديدة لقضية الهجرة تتسم بالحكامة الشمولية والعدالة في تحديد المسؤوليات، مما يسهل التعاون والعمل المشترك في إطار احترام سيادة الدول.

وفي تقديري، إن حل مشكل الهجرة مرتبط بمسلسل يتفق عليه كل الأطراف، وليس وصفة جاهزة. وقد رسم جلالة الملك معالم أولية لمقاربة تضامنية لموضوع الهجرة. لقد قام المغرب بتسوية حوالي 50 ألف ملف مع الاجتهاد في مسلسل الادماج السوسيو-اقتصادي. وفي هذا الإطار، تم اختيار جلالة الملك رائدا في هذا المجال.

ومن مقترحات المغرب في هذا الباب إحداث مرصد إفريقي للهجرة لتوفير المعلومة تسهيلا لإنضاج القرار والسياسات العالمية والإفريقية. وبذلك، فالمغرب ينهج مقاربة شمولية يتداخل فيها الأمني والاجتماعي والتنموي والاقتصادي.

والهجرة لها بعدان؛ إيجابي وسلبي. ولها عائد مادي ومعنوي على البلدان المضيفة. إذن نتمنى أن يكون لقاء مراكش لقاء حوار جاد تبثق عنه أفكار نيرة ومتجددة وبانية، لأن التحديات مشتركة، والأسئلة المطروحة في هذا المجال كما يلي: كيف نبني تنمية مستدامة تقلص من الهجرة غير المشروعة؟ كيف نبني بنية أمنية لأنه لا تنمية بدون أمن؟ كيف يتعبأ المجتمع المدني للمساهمة في التقليص من إشكالات الهجرة؟ كيف نجعل من الثقافة آلية استراتيجية لمعالجة بعض إشكالات الهجرة؟ هل الملتقى سيكون قادرا على تقديم اقتراحات واستراتيجيات موضوعية ترتقي بالتضامن الدولي والتعاون بين كل الأطراف والتقليص من النزاعات والخلافات وبناء التوازن العالمي؟

وبإفران، تمت استضافة مؤتمر إفريقي حول التجارة والاستثمار، الهدف منه البحث عن التنمية المستدامة داخل القارة الإفريقية، جمع كبار السياسيين والاقتصاديين الأفارقة. إذن المؤتمر فرصة لتقاسم الخبرات والتجارب والنظر في استراتيجية التضامن والتعاون لتعزيز الاقلاع الاقتصادي بالقارة وعلاقته بالتنمية الاجتماعية، ولن يتم هذا إلا بتحرير قدرات القارة.

وهناك أسئلة جوهرية تطرح على المؤتمر: أي دور للمرأة في التنمية عامة، والتنمية الاقتصادية خاصة؟ كيف يمكن تطوير حضور المقاولة، خاصة الصغيرة والمتوسطة؟ ما حظوظ القطاعات التالية من الإقلاع الاقتصادي: الطاقة والتكنولوجية والصحة والبناء والفلاحة والبيئة والاستثمار والتبادل الحر والشراكات جنوب-جنوب ورابح-رابح؟

ومن حيث الدلالة السيميائية، نظمت مدينة الداخلة، جوهرة الصحراء، مهرجانا للأزياء الإفريقية، شارك فيه مجموعة من المصممين الأفارقة بما لديهم من إبداع وإنتاج، إضافة إلى مصممين من العالم، ليتم التلاقح الثقافي بين الحضارات. والجميل هو حضور مفهوم الترابية في اختيار الألوان، وشملت هذه الألوان الموسيقى الإفريقية التي قدمت أشكالا متنوعة منها.

وبذلك اجتمعت موضة الزي ونغمة الموسيقى، وأنبتت سيمفونية إفريقية رائدة.

ونختم بهذه المحطة التي تؤكد مشاركة المغرب في انعقاد مجلس الأمن والسلم التابع للاتحاد الافريقي في أديس أبابا، حيث قدم تجربته في محاربة الإرهاب والتطرف باعتماد مقاربة شمولية لا تكتفي بالجانب الأمني فقط، وإنما تتعداه إلى البعد الديني الذي يقوده أمير المومنين، والبعد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي والإنساني...

إذن، هي مقاربة مؤسساتية وتشريعية لإحداث جدلية دائمة بين الأمن والتنمية في إطار الشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا، وحكامة ديمقراطية جيدة. فمزيدا من التنمية والاهتمام بالمواطن الإفريقي حتى نبعد شبح الإرهاب على الشباب الطموح إلى الارتقاء بالكفاءات التي يملكها من أجل خدمة القارة العامرة إفريقيا.

نخلص مما سبق إلى أن المغرب أصبحت له مكانة معتبرة داخل القارة الإفريقية رغم الاكراهات. والمطلوب اليوم هو إعطاء المغرب القدوة في كل شيء حتى نضمن هذا الوجود بالمصداقية والمشروعية والبناء المؤسساتي انطلاقا من تعاون جنوب-جنوب ورابح-رابح في ظل الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة.


 

نور الدين قربال