كثير من السذّج ومنذ بداية أزمة مقتل الصحافي جمال خاشقجي، صدّقوا أن هناك تسجيلات صوتية تدين القيادة في المملكة بشكل مباشر بذلك العمل، بعضهم لا يفارق متابعة قنوات تلفزيونية تابعة مباشرة للنظام التركي الإخواني، أو تابعة بالوكالة والعمالة للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين مثل قناة الجزيرة، في انتظار سماع تلك التسجيلات التي نشطت الصحف التركية المقربة لحزب العدالة والتنمية في تسريب نصوص لتلك التسجيلات، ولكنها ولخيبتهم لم تنشر، وقد تكون فيها خيبة أمل لهم ولآمالهم في محتواها الذي لا يخرج عما صرحت به المملكة من تجاوزات من بعض الأفراد الذين وبكل شجاعة أحالتهم للقضاء للمحاكمة.

من خلال مشاهدة مؤتمر الرئيس التركي أردوغان في مؤتمره الصحافي على هامش قمة العشرين، تطرق إلى قضية خاشقجي، وعاد يردد ما قاله منذ بداية الأزمة، وكأنه أصبح الأب الروحي للعدالة في العالم، والمنصفون يعرفون أن أردوغان يحاول أن يتكسب من هذه القضية سياسياً واقتصادياً، ومن تتبع لقاءه مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الأرجنتين، يجد أن ما تمت مناقشته لم تكن له علاقة بقضية خاشقجي، بحيث تركزت تلك المحادثات على قضية الأكراد وترتيبات الوجود التركي في بعض المناطق السورية. إذن، لا وجود لقضية خاشقجي في المحادثات، وعندما خرج علينا في مؤتمره الصحافي كرر ما يقال في قناة الجزيرة وغيرها من المواقع المعادية بقوله إن «المملكة لا تتعاون مع الجانب التركي في التحقيقات».

باعتقادي أن أردوغان صدم بالتصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو مع قناة السي إن إن، والتي أكد فيها أنه لا توجد دلائل مباشرة لربط هذه القضية بالقيادة السياسية بالمملكة، وأضاف قائلاً: «قرأت كل المعلومات الاستخباراتية التي تتوافر لدى حكومة الولايات المتحدة.. وليس هناك أي دليل مباشر يربطه بقتل جمال خاشقجي. وهذا التصريح دقيق ومهم وندلي به اليوم علنياً».

هذا التصريح المباشر مثل تلقّي صفعة مباشرة على ادعاءات أردوغان الممجوجة والمتكررة بأنه يريد أن يعرف المسؤول عن إصدار الأوامر بتلك الجريمة، وقبله صرّح وزير الدفاع الأميركي ماتيوس بالحقائق نفسها التي ذكرها وزير الخارجية الأميركي قبله بأيام.

لا شك أن حضور ولي العهد الأمير محمد بن سلمان اللافت لقمة العشرين في الأرجنتين ولقاءه مع عدد من الزعماء رسالة قوية لمعسكر الأشرار أن «المملكة دولة محورية على مستوى الإقليم والعالم، ولن تقف أمام قضية محددة ومعروفة ملابساتها وأعلنت الرياض عن ظروفها»، حضور ولي العهد والاستقبال الذي حظي به يبدو أنه أصاب أردوغان وجماعته بصدمة جعلت الرجل يهذي ويعيد ما تنشره جريدة «شفق» التركية منذ بداية القضية.

العلاقات بين الدول تبنى على الصدقية، وفي حالة تركيا فهي تتبع سياسة بلطجة حزبية بعيدة عن مفهوم الدولة، فالجميع تابع التهديد والوعيد من النظام التركي بنشر الأدلة، وانتهت تلك المسرحية البائسة إلى لا شيء على أرض الواقع، فقط هي حملة تشويه ممنهجة ضد المملكة والهدف واضح، وهو إضعافها في الداخل والخارج، ولكن خرجت الرياض وكعادتها قوية وشامخة، وكما قال الأمير تركي الفيصل: «كلما زادت الهجمات المعادية لولي العهد كلما زادت شعبيته في الداخل».


عقل العقل