على الرغم من الدعوات المتكررة للاستماع إلى النساء والفتيات والاسترشاد بواقعهن في توجيه دفة أولوياتنا ورسم معالم أعمالنا، فنادرًا ما تُسمَع أصواتهن في المحافل السياساتية؛ بل إن الصور النمطية والافتراضات السائدة بشأن احتياجات اللاجئات لا تزال تهيمن على عمليات وضع السياسات وتقديم المعونة.

وتنطلق حملة الأمم المتحدة لمناهضة العنف ضد المرأة هذا العام تحت شعار «اسمعني أيضًا»، حيث تخِّصص 16 يومًا للاستماع إلى أصوات النساء في جميع أنحاء العالم إذ يروين قصصهن حول تأثير التمييز والعنف القائم على أساس النوع الاجتماعي على حياتهن اليومية، وتقويضه للخيارات المتاحة أمامهن. وكمساهمة بسيطة في هذه الجهود الكبيرة، شرعت هيئة الأمم المتحدة للمرأة بالاستماع إلى اللاجئات من النساء والفتيات السوريات ومعرفة ما فعلته بهن سبع سنوات من النزوح. وتعد النتائج المستخلصة من المقابلات المستفيضة التي أجريناها بمثابة تذكير ينبهنا إلى مسؤوليتنا الجماعية تجاه أولئك الذين ما زالوا يعانون من عواقب حربٍ لا معنى لها، في وقت يسيطر فيه الحديث عن العودة على جدول الأعمال الراهن فيما يتعلق بالشأن السوري.

وبعد مرور سنوات عدة، لا تزال غالبية اللاجئات يكافحن من أجل توفير قوت يومهن؛ إذ أنهن في أمس الحاجة إلى إيجاد عمل لائق لإعالة أسرهن. بيد أن الحصول على فرص عمل مازال أمرًا بعيد المنال بالنسبة لهن، مما يضطر الكثيرات منهن إلى اتخاذ تدابير تعود عليهن بالضرر، مثل التقشُّف في الطعام أو اقتراض الأموال أو إخراج أطفالهن من المدرسة. وتعد أعداد النساء اللواتي تتوفر لهن سُبُل الحصول على دخلٍ منخفضة بشكل مذهل: من بين النساء اللاتي تحدَّثنا إليهن في لبنان، لم تتجاوز نسبة الحاصلات على تصاريح للعمل 1 في المئة، فيما بلغت نسبة النساء العاملات 13 في المئة. وفي الأردن، لم يتعدَ نصيب اللاجئات من تصاريح العمل الصادرة نسبة 4 في المئة، حيث لم تحمل أيٌّ من النساء اللائي التقينا بهن تصاريح للعمل. وعلى الرغم من أن 78 في المئة من النساء اللواتي تحدثنا إليهن في العراق كُن يملكن حق الحصول على عمل قانوني، فلم تتجاوز نسبة العاملات منهن 4 في المئة، مما يؤكد أن التصاريح وحدها لا تضمن وصول اللاجئات إلى فرص العمل؛ وإن كانت شرطًا أساسيًّا.

ولا يقف طموح اللاجئات السوريات عند الحصول على فرصة عمل، بل إن الكثيرات منهن يتطلعن إلى الاضطلاع بأدوار قيادية ومجتمعية. وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن غالبية اللاجئات السوريات اللائي تحدثنا إليهن في كلٍّ من لبنان والعراق والأردن قد لعبن أدوارًا كُبرى، سواء في البيت أو المجتمع، بسبب الحرب. وقد شكَّلت المشاق التي تكبّدها الكثير من اللاجئات جرَّاء النزوح تحديًّا للمفاهيم الذكورية التقليدية بشأن ما تستطيع المرأة فعله أو ما ينبغي عليها فعله. وقد أخبرتنا هديل، وهي إحدى اللاجئات السوريات في لبنان إنه « بعد الأزمة السورية، شعرت النساء بضرورة اتخاذ خطوة إلى الأمام، فأصبحن عضوات نشطات في المجتمع، لا يلتمسن العون من أحد ولا يعتمدن على أحد سوى أنفسهن».

ولكن على الرغم من تطوُّر دور اللاجئات، فإن الاستجابة لتلبية احتياجاتهن غالباً ما تصطدم بالافتراضات المستمَدَّة من الأعراف والأدوار المنوطة بالجنسين، خوفاً من الإخلال بالحدود الاجتماعية الموضوعة للنساء باعتبارهن مجرد مقدِّمات للرعاية ويحتجن إلى الدعم الاقتصادي في منازلهن. وهو أمرٌ يتناقض بشكل صارخ مع ما تقوله لنا النساء أنفسهن عن طموحاتهن وتطلعاتهن.

يتعيَّن علينا إعادة التفكير في النهج الذي نتبعه لتلبية تطلعات هؤلاء النساء واحتياجاتهن، إذ يجب علينا معالجة أشد النواتج العرضية الناجمة عن النزاعات ضررًا: العنف. فقد أعرب ما يقرب من نصف النساء اللواتي تحدثنا إليهن في لبنان والعراق عن قلقهن إزاء تصاعد العنف القائم على نوع الجنس؛ حيث أشار خُمس النساء اللواتي التقينا بهن في لبنان إلى تزايد العنف ضد المرأة، واتفق معهن ثُلث النساء اللائي تحدثنا إليهن في العراق. وفي الأردن، اعتُبِر مجرد السير من وإلى المدرسة مسألة محفوفة بالمخاطر بالنسبة للفتيات اللاجئات.

ويظل حلم العودة يراود الغالبية العظمى من اللاجئين السوريين، لا سيِّما النساء والفتيات، إذ ترنو أعينهم وتهفو قلوبهم إلى ديارهم الآمنة. ولكن إلى أن تصبح الظروف مواتية للعودة الآمنة والطوعية، لابد أن نواصل التركيز على تلبية احتياجات النساء في أماكن النزوح—الاحتياجات التي يحددنها هنّ، وتتمثَّل في الحصول على وظائف وسبل معيشة لائقة، والشعور بالحماية والتمكين، وأن يكون لهن دورًا أكبر في بيوتهن ومجتمعاتهن المحلية. وإذا استمر الوضع هكذا ولم تجد نداءاتهن آذانًا صاغية، فسيضطررن لاتخاذ المزيد من القرارات والتنازلات التي ترسِّخ عدم المساواة بين الجنسين وتعرِّضهن للخطر وتحدُّ من الخيارات والفرص المتاحة أمامهن. وإنني أضم صوتي لصوت ريما، وهي شابة سورية تعيش خارج بلدها، إذ تقول إن «تمكين المرأة السورية من شأنه تحسين وضعها، و أوضاع المحيطين بها».


محمد الناصري