قطار يسرع تنمية المغرب ...

يرجع تاريخ تشييد الشبكة السككية بالمغرب إلى سنة 1911. اليوم ، وبعد عقود أصبح للمغاربة قطار فائق السرعة باسم (البُراق) ، بلغت التكلفة الإجمالية لهذا القطار 22.9 مليار درهم، كان للدولة وصندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية حصة لا تتجاوز 6,5 مليارات درهم، بنسبة 30 في المائة، أما الدولة الفرنسية فأنفقت 11,5 مليار درهم، ما يمثل 50 في المائة، من بينها 825 مليون درهم على شكل هبة، و7,5 مليارات درهم كقرض من الخزينة الفرنسية، و3,2 مليار درهم كقرض من الوكالة الفرنسية للتنمية. في حين ناهزت مساهمة الصناديق العربية 4,9 مليارات درهم، بنسبة 20 في المائة، من بينها 1,5 مليار درهم من الصندوق السعودي للتنمية، و1,1 مليار درهم من الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، و1,1 مليار درهم من صندوق أبو ظبي للتنمية، و1,1 مليار درهم من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي.

كل هذا من أجل رحلات تبتدئ من 79 درهماً وتصل إلى 364 درهماً، فتذكرة رحلة طنجة -الدار البيضاء عبر الدرجة الثانية ستكون بـ149 درهماً خارج أوقات الذروة، وتصل إلى 187 درهماً في الفترة العادية، وفي فترة الذروة ستصل إلى 224 درهماً. الرحلة نفسها عبر الدرجة الأولى ستكون بـ243 درهماً خارج أوقات الذروة، و299 درهماً في الفترة العادية، و364 درهما في وقت الذروة. أما رحلة طنجة -الرباط فستكون عبر الدرجة الثانية بـ115 درهماً، و143 درهمًا و172 درهماً، والدرجة الأولى فستكون أثمانها بـ187 درهماً و234 درهماً و281 درهماً

السرعة القصوى للقطار مُحددة في 320 كيلومتراً في الساعة. وبذلك سيقلص "البراق" مدة السفر بين (طنجة والقنيطرة) في 50 دقيقة فقط عوض 3 ساعات و15 دقيقة، أما مسافة (طنجة / الرباط) ستكون في ظرف ساعة و20 دقيقة عوض ثلاثة ساعات و45 دقيقة، ومسافة (طنجة إلى الدار البيضاء) في ساعتين و10 دقائق،عوض أربع ساعات و45 دقيقة.

آثار اقتصادية واجتماعية وبيئية هامة ..

وبالإضافة إلى التقريب بين القطبين الاقتصاديين الدار البيضاء وطنجة وتسريع حركة التنقل بينهما، سيرتفع عدد المسافرين عبر القطارات من 3 ملايين حالياً، إلى ستة ملايين في غضون ثلاث سنوات. أمر آخر تعزز به السلطات جدوى هذا القطار، هو تعزيز السلامة الطرقية وحماية البيئة، وذلك من خلال تفادي 150 قتيلاً في الطرقات و20 ألف طن من انبعاث الغازات سنوياً، بالإضافة إلى تحرير الطاقة الاستيعابية لضمان انسيابية أفضل لحركة نقل البضائع، خاصة النشاط المرتبط بميناء طنجة المتوسطي والمناطق الحرة، لا سيما المتواجدة في القنيطرة. زيادة على ذلك ستتم إعادة تشجير 2100 هكتار مقابل 130 هكتاراً من الغابات التي تمت إزالتها، أي ما يمثل زرع 25 شجرة مقابل كل شجرة تم قطعها.

أما الإجراءات الاجتماعية، فتتمثل في توقيع اتفاقيات لمشاريع تنموية مع الجماعات المعنية، حيث تم نقل عدد من المدارس المتواجدة قرب موقع الأشغال، إضافة إلى إنشاء ملاعب رياضية ومستوصف ومساجد ودور للشباب، علاوة على إعادة إسكان 250 أسرة.

تكنولوجيا عالية مواكبة لروح العصر الحديث ..

إن بناء خط سككي فائقة السرعة تطلب دقة شبيهة بصناعة الساعات السويسرية، لما يستدعيه ذلك من تكنولوجيات متطورة تتمثل في منظومة حديثة للتشوير، لأن بث معلومات بشكل ظرفي من قطار يتحرك بـ320 كيلومترا في الساعة غير مسموح به في هذه المنظومة المتطورة جدا؛ فالسرعة الفائقة تستدعي نقل المعلومات بشكل آني ومسترسل لضمان الحوار بين نقط تحويل السكة والمركز المركزي لتدبير سير القطارات.

من أجل ذلك، يشتمل نظام عمل "البراق" على تقنية الراديو ذي الفعالية العالية الخاص بالتطبيقات الحديدية "GSMR"، إضافة إلى أجهزة المراقبة البعدية للبنيات التحتية ومعدات استشعار القياص المثبتة على متن القطارات.

وحين تتجاوز السرعة 220 كلم في الساعة، يستحيل على السائق قراءة الإشارات الجانبية؛ لذلك فالتجهيزات الإلكترونية تحل محل المراقبة البصرية، أما الكتلة الأتوماتيكية الضوئية التي كانت تستعمل لاحترام المسافات بين القطارات فقد تم التخلي عنها مع السرعة الفائقة وتعويضها بنظام يدعى ERTMS نظام إدارة حركة سير القطارات .

ختاما، فقطار البُراق مشروع كبير واستثنائي يندرج في إطار المخطط التوجيهي للخطوط فائقة السرعة، التي تروم إنجاز شبكة وطنية بطول يناهز 1500 كلم، والتي تتألف من المحور "الأطلسي" طنجة-الدار البيضاء-أكادير، والمحور "المغاربي" الرباط- فاس-وجدة، بهدف جعل المغرب نقطة ربط إقليمي وقاري تتبدد فيها المسافات ويتصل فيها الشرق بالغرب والشمال بالجنوب

د. منير بن رحال*

*أستاذ التعليم العالي مساعد