في سوريا قاتلت إيران وتركيا في خندقين متقابلين. اختارت الأولى أن تقف مع الحكومة السورية في سياق تحالف استراتيجي قديم فيما وقفت الثانية مع معارضي تلك الحكومة في سياق التزام مزدوج، إذ لا يمكنها التفريط بتحالفها مع الغرب كما أن حكومتها على صلة وثيقة بجماعة الاخوان المسلمين التي تم التخطيط لصعودها على رأس المعارضة السورية.

الطرفان انجزا مهماتهما على الأرض السورية من غير أن تعترضهما أية عوائق أو عثرات.

أدخلت إيران إلى الأراضي السورية جيشا من المستشارين الذين أنيطت بهم مهمة الأشراف على الميليشيات الشيعية التي تم استقدامها من لبنان والعراق وأفغانستان. وأما تركيا فإنها فتحت حدودها مع سوريا للمجاهدين السنة القادمين من شتى أصقاع الأرض بعد أن أقامت على أراضيها معسكرات لاستقبالهم وإيوائهم وتدريبهم ومن ثم تزويدهم بالسلاح الشخصي الذي كان مقدمة للأسلحة النوعية الثقيلة التي تم تزويدهم بها في ما بعد.

مظهريا فقد كانت تلك الحرب ذات طابع طائفي.

غير أن ما لم يُشر إليه أحد أن تلك الحرب كانت في حقيقتها تُدار من قبل تركيا وإيران ومع ذلك فإنها لم توصف بأنها حرب إيرانية ـــ تركية. الأكثر من ذلك في دلالته على التعمية على دور الطرفين في تلك الحرب أنهما دُعيا في استانا من قبل الشريك الثالث في الحرب روسيا باعتبارهما وسيطين ضامنين. إيران من جهة الحكومة السورية وتركيا من جهة فصائل المعارضة المسلحة.

لقد خاض الطرفان المفاوضات بروح الوسيط الضامن لا بروح المقاتل المشارك في الحرب. وهو ما يمكن أن يشكل واحدة من أهم الزخارف التكميلية للحرب السورية التي اشتعلت منذ أكثر من سبع سنوات والتهمت بنيرانها حوالي نصف مليون إنسان بريء وهدمت المدن السورية الأساسية باستثناء دمشق وشردت أكثر من عشرة ملايين شخص توزعوا بين لاجئ ومشرد ونازح.

في المعنى الغاطس من الحدث فإن الطرفين كانا ولا يزالان يفعلان الشيء نفسه بقوة العقيدة السياسية نفسها. فلو خيرت تركيا الاردوغانية مثلا بين حزب الله الطارئ على سوريا وحزب البعث الذي يحكمها منذ خمسين سنة لوقع اختيارها على حزب الله طرفا للتفاوض.

كذلك الامر بالنسبة لإيران التي لو خيرت بين جبهة النصرة وبين أي تنظيم سياسي سلمي سوري لما اختارت سوى جبهة النصرة حليفا في السراء والضراء.

ليس هناك تناقض في الامر وإن بدا الامر كما لو أنه جزء من مسرحية عبثية، يشرف على إخراجها فنان مجنون.

السر يكمن في الإسلام السياسي الذي تتعدد واجهاته غير أن جوهره يظل واحداً.

علاقة إيران بتركيا ليست سيئة فيما علاقة الطرفين بالعالم العربي ليست على ما يرام إذا لم نقل سيئة. أليس هناك ما يثير الاستفهام في تلك المعادلة المريبة؟

التفسير يكمن في أن موقف الإسلام السياسي من العالم العربي كان ولا يزال واحدا. اما ما يُشاع هنا وهناك من خلافات طائفية فهي للاستهلاك المحلي الشعبوي الذي يُراد من خلاله اضعاف العالم العربي من خلال تمزيق مجتمعاته وبث روح الفرقة فيها.

كانت تجربة الحرب الأهلية السورية مختبرا واقعيا لقدرة الإسلام السياسي على أن يصمد في مواجهة تحولات السياسة العالمية. لقد فرضت تركيا وإيران نفسيهما لاعبين مختلفين على الساحة السورية بالرغم من أنهما تمثلان الفريق نفسه. ولولا ذكاء الطرف الروسي لكانا التهما سوريا وتقاسما فيها مواقع النفوذ وجعلا منها قاعدة للانطلاق.

هنا علينا أن نفهم لمَ يتفق التركي والإيراني على محاربة المملكة العربية السعودية بعد أن نفضت يدها من الإسلام السياسي.

أولا لم تعد السعودية معنية بالنفاق الطائفي الذي هو عبارة عن ملهاة مأساوية لا يمكن الخروج من متاهتها.

ثانيا لأن السعودية اكتشفت أن دورها في المنطقة يتخطى رد الفعل إلى المبادرة التي تليق بها دولة كبيرة يمكنها أن تفرض رأيها على العالم.

وبعد أن كشف الإسلام السياسي عن وجهه القبيح باعتباره تمرينا للإرهاب فإن السعودية المتطلعة لغد أفضل لشعبها ولشعوب المنطقة صارت بمثابة العدو الذي يجب الإطاحة به.

غير أن ما لم تدركه تركيا وإيران هو أن الحرب على السعودية هي في حقيقتها حرب على العالم.

السعودية اليوم ليست بلدا مغلقا على نفسه. في انطلاقتها نحو رؤية 2030 جمعت العالم كله تحت خيمة مناهضة للإسلام السياسي. وهو ما استفز إيران وتركيا ليكشفا عن الحقيقة التي لطالما أخفتها أقنعتهما المتعددة في سوريا. إنهما الشيء نفسه إذا ما تعلق الامر بالعالم العربي.