اطلعت مؤخرا على كتاب "طلعة المشتري في النسب الجعفري" لصاحب "الاستقصا" العلامة المؤرخ أحمد بن خالد الناصري (1835 -1897م)، وقد نشرته حديثا - مرقونا - المؤسسة الناصرية للثقافة والعلم (نونبر 2018)، بعد أن طُبع سابقا على الحجر.

والكتاب ضخم، حيث يقع في حوالي 780 صفحة. وقد جاء في حلة أنيقة، قشيبة، فاخرة. وقلما يعتني المغاربة بكتب تراثهم مثلما فعلت "المؤسسة" مع هذا المتن البديع.

الكتاب في أساسه جاء ليصحح وضعا اكتشف الناصريون ( نسبة إلى الزاوية الناصرية) أنه كان خاطئا، حيث كانوا، ولمدة طويلة، ينتسبون للصحابي الجليل المقداد بن الأسود، قبل أن يُنبّهوا من قبل مجموعة من المؤرخين والمحققين في علم الأنساب، بأن هذا الصحابي لاعقب له.! فانبرى الناصري، بخبرته العالية وأسلوبه الأنيق، ليفتّش في بطون الكتب والوثائق، ويتتبع - من جديد - شجرة أصوله، ليثبت نسبتهم للصحابي جعفر بن أبي طالب.

وبعيدا عن صدق هذا النسب من عدمه، لأن الحديث في هذا الأمر يطول، خاصة في جدواه وقيمته ووظيفته الاجتماعية والسياسة، فإن أغلب فصول الكتاب وأبوابه ماتعة جدا وشيقة، وذات فائدة جمة، خاصة تلك الفصول الطويلة التي تضم نماذج ونتفا من الرسائل التي كان الشيخان محمد وابنه أحمد المشهور بـ"الخليفة" يتبادلانها مع تلامذتهما ومحبيهما، وبالخصوص مع أبي علي الحسن اليوسي و شاعر المغرب الكبير أحمد بن عبد القادر التستاوتي، وكذا الوصف الرائق لركب الحاج الناصري، وبعض المواقف السياسية للزاوية، ونذكر منها رفض الشيخين السابقين الدعاء مع السلطان إسماعيل في خطبة الجمعة، ومن ثم العلاقة المضطربة بين المخزن الإسماعيلي و"أم الزوايا". وأيضا تلك النصوص التي تلحّ على أن الشيخ الناصري كان وقّافا عند السنة، متبعا لها، منكرا للبدع والمحدثات.

طبعا الكتاب غاصّ بتراجم رجالات الزاوية، وكراماتهم، ومناقبهم، وسيرهم، ونماذج كثيرة من القصائد التي نُسجت في مدحهم والتغني بجليل أعمالهم، وجميل أخلاقهم وتربيتهم وسلوكهم.

وكل قارئ مهتم بهذا النوع من الكتابات سيجد فيه فائدة ومتعة، كبيرة كانت أم صغيرة، باستثناء من طالعه وميزانه الوحيد والأوحد هو العقل العقلاني والمنطق المجرد عن كل أفق روحاني.

وهنا، تذكروا معي - في هذا السياق - ما كان يقوله دوستوفسكي، وسجله في مذكراته، بأنه كان يحظى دائما بحب قرائه وتأييدهم على عكس ناقديه...!


 

عبد الهادي المهادي