الملف رقم 00.01

التهمة: غواية بني ادم.

المتهم / المدعى عليه: الشيطان.

الضحية / المدعي: بني ادم.

الدفاع: هيئة المحامين المستقلين.

القاعة مملوءة عن آخرها، والمحاكمة علنية، الملف جاهز للمداولة.

جلست الهيئة القضائية ووقف المدعي العام ونادى عن المتهم، فخرج الشيطان مطأطئ الرأس رث الثياب يجر رجليه نحو قفص الاتهام، وقف وهو ينظر إلى الأرض.

فناداه القاضي:

هل أنت الشيطان؟

الشيطان: نعم سيدي القاضي.

القاضي: هل تعلم بأنك متهم بغواية بني ادم؟

الشيطان: لا أعلم، ولكن أطلب من دفاعي الترافع عني.

هيئة المحامين المستقلين: سيدي القاضي إن الماثل أمامكم ما هو إلا ملاك من الملائكة، فكيف لهذا الملاك الوحيد أن يغوي كل هذه الحشود من بني ادم؟

ارتفع الصخب في القاعة وارتفعت الأصوات ما بين سب وقذف وصراخ.

الطرف المدعي: هؤلاء الناس ارتكبوا مجموعة من المعاصي بسبب الشيطان؛ لهذا نطالب بأقسى العقوبات في حق المتهم.

- القاضي غاضبا: وقد هَوَى بمطرقته مرات عديدة على الطاولة: هدوء..هدوء.. كل متهم بريء حتى تثبت إدانته.

الشيطان: ابتسم ورمق القاضي بنظرة شيطانية وكأنه يعده بصفقة.

القاضي: لكي تكون المحاكمة عادلة نطالب الطرف المدعي بتقديم أدلة الإدانة.

الطرف المدعي: لا أدلة لدينا إلا الغواية والتحريض على المعاصي.

القاضي: كلامكم مردود، نريد أدلة مادية ملموسة.

الطرف المدعي: لن يهزمنا الشيطان ومن يترافع عنه وأدلتنا الملموسة كثيرة.

القاضي: مثلا.

الطرف المدعي: هذا الابن العاق قتل والديه، وهذا الإمام شرب الخمر وصلى بالناس، وهذا الموظف سرق المال العام، وهذا الأستاذ الجامعي زنا بطالباته، وهذا الكاتب سرق مقالة كاتب مرموق ونشرها في الجريدة الإلكترونية هسبريس... وهم اليوم نادمون عن أفعالهم التي ما كانوا ليرتكبوها لولا غواية المتهم الماثل أمام محكمتكم الموقرة.

الشيطان ضاحكا في استخفاف طلب من القاضي الكلمة، فقال:

- إذا سمح لي سيدي القاضي المحترم والهيئة القضائية الموقرة أن أرد على هذه الادعاءات الكاذبة، فهل أنا من قتل والدي هذا الابن العاق الذي لم يربياه أحسن تربية، وهل أنا من شرب الخمر وصلى بالناس، لو كان هذا الإمام مؤمنا وتذكر ما يحفظه من كلام ربه، وهل هذا الأستاذ الجامعي له "وجه" وضمير حتى يعود للمدرج ويجلس دون خجل يلقي المحاضرات أمام طالباته اللاتي زنى بهن، بل حتى الشياطين في مدارسنا يخجلون من هذا الفعل الآدمي الشنيع، أما ذلك الكاتب الذي سرق مقالة كاتب مرموق ونشرها في الجريدة الإلكترونية هسبريس باسمه فيستحق الموت: فنحن بني الأبلسة لا نسرق، فعزة النفس أغلا عندنا، ونحن الذين لم نركع لجدهم آدم كيف نرضى بسرقة مقال منهم.

الشيطان: سيدي القاضي المحترم، هذا هراء.

القاضي، وقد وضع رأسه بين كفي يده وبعد تفكير عميق، طلب رفع الجلسة من أجل المداولة.


 

عبد الرحمان شحشي