ما يعتمل بالجسد الأمريكي الداخلي منذ شهر ونيف، بين تصريحات ترامب، والسلطة الرابعة للصحافة، وسي آي إي والخارجية، وسيناتورات الكونغرس، والمالية والإدارة، وباقي صناع القرار من جماعات ضغط وأحزاب حول ملف خاشقجي، يلفت أنظار بؤساء الديكتاتوريات من أمثالنا حيث البدائية. رأينا كيف استرجعت سي إن إن هيبة صحفيها، الذي قام "بالسيلفي" وغطى زيارة بلده لباريس غير آبه أن يقتل في قنصلية عند ماكرون، مطمئنا أنه محفوظ الكرامة، مرفوع الجناب بجواز سفر قد يفتعل أزمة تركية ويعاقب ويعاتب، حتى تهدد الليرة لإطلاق سراح قس العم سام الجاسوس. واستصدرت الشبكة الإعلامية قرارا قضائيا بقوة القانون، أمام عجرفة وغطرسة رئيس أهان ويهين الإعلام الأمريكي لا يتحدث إلا لغة الاقتصاد والمال. نستحضر كل هذا ولا تغيب عنا السياسة الخارجية للرأسمالية والإمبريالية البشعة. في نفس هذه الأيام، يحتفل المسلمون وهم مليار ويزيد، والعرب جزء كبير منهم بالمولد النبوي، تكتنز تحت أرجلهم ملايير الثروات والنفط التي تدفع للسيد الأبيض لشراء صمته وكنفه. احتياطي عالمي بما يشكل أزيد من ثمانين بالمئة، ثلاث أرباع منها عند العرب، بالعالم بأسره كأكبر مخزون للذهب الأسود إذا احتسبنا كل المساحة الممتدة بدويلاتنا المفرقة الممزقة، معها فارس وبقية الدول المسلمة من بقايا الاتحاد السوفياتي. وغيبت الآلة العربية الرسمية والرقمية العدل النبوي، ذلك المختار بلغة الوحي، محمد بن عبد الله الذي آمنت به العرب ذات يوم التي كانت تعبد الأصنام، يصنعها الفقراء والكبراء منهم من خشب و حجر أو خبز يأكلونه، بما يشبه  حمق الكنيسة التي يضحك من خزعبلاتها العقل المتطور المخترع الباحث، كما فعلت الكنيسة، حين كان الكهنة يصنعون "أوكارستي"، يأخذون خبزا ولحما وخمرا،  فيقدسونه، فإذا الخبز لحم الإله والخمر دمه، ومن خرافة التطوريين الذين جعلوا من القرد إنسانا!

فعلى أي الطريقين نتتلمذ؟

أمسكت المولد اليد الرسمية بيد تستغله وتشتري به شرعية مفقودة وتقزمه وتحجمه وتختصره في موالد ومواسم وأفراح، ثم بيدها الأخرى تنهب ثروات البلد باسم الدين. 

وهناك نتابع كاليتامى بمأدبة اللئام، تدافعا غربيا داخليا بين لوبيات ومصالح وحسابات، وانتخابات بالكاد تنتهي، والجميع يقارب مصلحة بلده من زاويته ويضغط. حتى البراغماتية منها التي تفضل أموال بلد، الحرمين "يا حسرة"، على الحقيقة! وتقايض وتفاوض وتترك مساحات اللعب والترقب، وتفتح مجالات التأويل والتحليل وتنشيط الافتتاحيات والمسرحيات والإخباريات، لتربح صفقات وأعطيات، كما سبق وكتبت في ثلاثة أجزاء متتالية عن ملف"الصحفي جمال خاشقجي". لا يريد العقل العربي الرسمي الحاكم أن يعرف الناس، كيف كانت المرأة تراجع عمر في شأن المسلمين العام، "المعارضة" بلسان العصر، فلا يأمر باعتقالها أو تلفيق تهمة لها أو اغتيالها بمنشار أو اختلاق شجار أو سقوط مفاجئ لجدار. وكيف كان الأعرابي يأتي على محمد يطلب حقه، فيجزل له ويزيده بالرغم من طريقته "الأعرابية"، ثم يذهب مبتسما لا يهدده أحد ولا يرعبه في حياته سالما آمنا، شاهدا. وكيف قضى أحدهم حاجته بالمسجد فأمر بغسل المكان بماء فقط وأنقذه من الإعدام فورا. وكيف عاتبت العجوز عمر بن عبد العزيز حتى بكى بين يديها وأعطاها دون أن تكتشف أنه هو من اختاروه حاكما عليهم، حين خيرهم يوم تنصيبه. كانوا يتواصلون مع مواطنيهم بدون وسائط، ولهم معارضات ولم يكن المسلمون يوما حزبا وحيدا وكتلة واحدة صماء عصماء. ولم يهددوا الناس بسيناريو سوريا ومحرقتها، إن هم فكروا بطلب حقوقهم، أو مجزرة رابعة وأحكام الإعدام بمصر، ولا فتنة اليمن وإبادة أهلها ولا تناحر العراق، ولا ما يقع بليبيا بعد قذافها، أو تقسيم السودان وقبلية أفغانستان، ولا بيع فلسطين بالأشلاء والأنين.  ونحن نستقرئ التاريخ العربي "المسلم"، أو الغربي، ونقاربه بأحداث اليوم، نطرح طريقين للإنسانية، كيف تطوروا هم، وبقينا نحن حبيسي عقليات ونفسيات وعنتريات. صغارا تبعا لكبار. كيف كان الناس يشاركون عن اختيار وقرار. لم يحرق منهم برونو، أو حوكم جاليلو أمام مكتب مقدس. كان الفارابي والكندي وابن سينا وآخرون يعبرون بكل حرية ولم يضطهدوا، ولم يتم استدراج "جمال" منهم إلى قنصلية لتقطيع جثته تحت أنغام الموسيقى التي حرمها قوم بفتاوي صمتت فجأة أمام الجريمة بل وشبهت العملية بما فعله خالد بن الوليد، وتم لي النصوص. 

كان النقاش والخصام والجدال، لكن لم تنصب مشانق ولم توقد محارق كما وقع بالكنيسة، كما لم يتم استدراج أحد وتصفيته. 

هذا هو العقل العربي المسلم الذي كان نشأ بالمسجد، ننظر اليوم إلى عجزه وضعفه ونستفسر عن أسباب نهضته. وأمامنا الآخر المادي الغربي المتطور والصانع والمتكبر المسيطر والأناني المصلحي، الذي نبت وسط الفلاة والفرضيات والوساوس، يخبر عنه الفيلسوف داروين في تطوريته التي يزعم، بعد أن زار جزر الجلاباكوس. وآخر بالأكورا باليونان، حيث ظهرت الديمقراطية، ثم العقل القانوني بالفوروم الروماني.

ورأينا كيف كانت تسخر الثروات لروما قديما، وكيف تم تهجير السود العبيد من إفريقيا في السفن لخدمة السيد الأبيض وطاعته، كما اليوم!

 

هل يجد الناس في المولد وذلك العقل القريشي الساذج المتسامح النابذ للعنف، نهاية للطائفية والقبلية،  وجوابا وجمعا لشتات المحور المغاربي الأندلسي، الخليجي، التركي، الإيراني، وبقية الدول المسلمة، بثرواتهم ومحوريتهم وجغرافيتهم ونفطهم، وكتلتهم الأممية العددية وثقلهم التاريخي ومستقبلهم الزاهر ولاشك؟.



حفيظ زرزان