واقع لا مراء فيه

من خلال نظرة فاحصة للأوراش الكبرى التي يعتمدها المغرب كرافعات لتعزيز اقتصادياته ومواكبة بعض تحديات الألفية الثالثة على مستويات شبكات النقل والتواصل وتكنولوجيا الطاقة، حري بنا الوقوف على أبرز المؤشرات ونحن نتابع "خارطة التنمية الوطنية":

أولاها تجاه خط التنمية وحصره بالكاد في مناطق جغرافية دون أخرى.

ثانيها حجم طموحات المغرب، في بعض القطاعات الاقتصادية، لا يتناسب مطلقا مع إمكانياته المالية والاجتماعية واللوجستيكية.

ثالثها وربما المؤشر الأكثر إعاقة لعجلة التنمية، ويتعلق الأمر بالجانب الاجتماعي، من خدمات عمومية سواء في الإدارة أو التعليم أو الصحة أو القضاء... التي تشكل في مجموعها قطبا حيويا في الدفع بعجلة التنمية في كل مراميها وأبعادها. يمكن ترجمة هذه التحديات في طرح تساؤلات من هذا القبيل:

كيف للمغرب كسب الرهان في استقطاب رساميل الاستثمارات الأجنبية وإدارته تعاني من أبشع صور البيروقراطية والفساد؟

هل يمكن وجود عدالة اجتماعية في ظل فوارق طبقية صارخة كثيرا ما تقف منها القوانين والتشريعات مكتوفة الأيدي؟

كيف يمكن للمغرب كسب رهان احتضان تظاهرات دولية بحجم المونديال وبنياته الاجتماعية تعاني الأمرين؟

وهل اعتماد TGV (القطار فائق السرعة) "البراق" وسيلة لتنقل المسافرين اختيار ناجع، بينما معظم المغاربة (%70) ما زالوا يستعملون وسائل عمومية تنحصر في القطار والحافلة والعربات الصغيرة؟ وهل استعمال "البراق" يتلاءم مع إمكانيات المغاربة أم هو فقط واجهة "للفخامة" Excellency وفاصل بين فئة اجتماعية وأخرى؟

الجهات الإدارية واللاتوازنات الاقتصادية

ما زالت هناك مفاهيم جغرافية اقتصادية "شعبية" متداولة على أوسع نطاق، مثل "المغرب العميق"، "والمغرب النافع وغير النافع"، تشهد حتى الآن على وجود فوارق مجالية واقتصادية فجة بين جهة وأخرى، وكلما اتجهنا جنوبا أو شرقا نلفي أنفسنا داخل بيئات وبنيات تختلف بدرجات كبيرة عما هو عليه الحال في الجهة الغربية مثلا... فشبكات الطرق تتعزز في جهة الدار البيضاء نحو الشمال وتستتبعها مجمعات الإنتاج الصناعي، وتنمحي بالكاد كلما توغلنا في الجهة الشرقية نحو الجنوب الغربي، كما أن فرص الاستثمارات وتجمعات الأيدي العاملة وكذا موانئ الاستيراد والتصدير تكاد تستأثر بها جهتا الدار البيضاء وتطوان طنجة المتوسط، علاوة على قضية التواصل الإداري الذي ما زالت "سياسة اللامركزية" مجرد "كليشي" (بهرجة) غير مفعلة حتى الآن.

طموحات بسرعة مهددة

كم هي الطموحات التي ركبتها سياسة المغرب سواء في قطاعات الاستثمار الأجنبي أو الرياضة... وفشل في كسب رهاناتها؟ فقد لا نقف على رقم محدد، لا سيما في مجال الاستثمار الذي تختزل النجاح فيه جملة من التدابير والإجراءات كالحكامة وجودة الخدمات والشفافية في تدبير الملفات والقضايا، فضلا عن وجود جهاز مراقبة قوي إلى جانب منظومة قضائية نزيهة تستجيب لطموحات المستثمر في تأمين رساميله وبناء الثقة بينه وبين المستهلك.

لكن الواقع، وحسب ما تشهد به التقارير الدولية الدورية، يؤكد تراجعا كبيرا في حجم هذه الاستثمارات أو تركيزها في يد زبون واحد كفرنسا، مما يشي بضعف الفرص بالكاد أمام المستثمر الآخر، أو يجد هذا الأخير نفسه مكبلا بجملة من الإجراءات والتعقيدات المسطرية الإدارية، إن لم يكن مجبرا على دفع رشاوى وعلاوات، والتخلي عن نسبة أرباح لهذا الطرف أو ذاك.

بيد أن القطاع الاجتماعي يظل محتكرا من طرف لوبيات اقتصادية لا ترغب حتى الآن في وجود منافسين لها، وهكذا يبقى مستوى جودة الخدمات جد هزيل، في التعليم والصحة والنقل والتجهيز... لاتصالها المباشر بقضايا الإدارة وتعفناتها.

وفي هذا السياق يؤكد تقرير صادر من المندوبية السامية للتخطيط أن معدل الفقر يتزايد سنة بعد أخرى وتتصاعد نسبه في الأوساط القروية خاصة بمعدل يتجاوز كثيرا نسبة %23، أما على المستوى الوطني فينحصر بين نسبتي %8 و%10، كما أن الملف الاجتماعي ظل لأمد طويل محل مزايدات وتسويفات بين الحكومة والباطرونا والنقابات، ولم يطرأ تغيير على الأجور منذ صعود حكومة "البيجيدي" (حزب العدالة والتنمية) في نسختيها، بل غالبا ما كان يستأسد بها قطاع وزارة الداخلية وكبار موظفي الجيش.

أما على مستوى بنيات القطاع الرياضي فما زالت تشكو من تمركزها في جهتين، لا يبدي المغرب استعداده لتوسيع شبكتها وتحسينها إلا في مناسبات الترشح لاستضافة تظاهرة دولية من حجم المونديال التي فشل فيها مرات تلو أخرى، وهو ما يزكي الطرح القائل بأن الطموح المغربي لا يسير في ركاب قطاعاته الاجتماعية جنبا إلى جنب، أو يسير بسرعة "براقية" لا تحمل معها جميع مكونات المجتمع المغربي.


 

عبد اللطيف مجدوب