في حدث استثنائي يشهد مشاركة أزيد من 3000 منتخب من الدول الإفريقية، انطلقت اليوم الثلاثاء بمدينة مراكش أشغال الدورة الثامنة لقمة منظمة المدن والحكومات المحلية المتحدة الإفريقية (أفريسيتي)، بمشاركة عدد من الفاعلين الحكوميين الذين حطوا الرحال بالمدينة الحمراء للبحث والتداول في مستقبل القارة الإفريقية ودور الجماعات الترابية في ضمان الاستقرار الاقتصادي والسياسي.

المؤتمر الذي يحظى برعاية الملك محمد السادس، ويعد أكبر تجمع في القارة الإفريقية، وينعقد كل ثلاث سنوات بالتناوب في إحدى المناطق الإفريقية الخمس، ترأسه وزير الداخلية المغربي، عبد الوافي لفتيت، ورئيس الجمعية المغربية لرؤساء مجالس الجماعات الترابية، محمد بودرا، ورئيس جهة مراكش آسفي، أحمد اخشيشن، وعمدة دكار رئيسة منظمة المدن والحكومات المحلية الإفريقية، سوهام الورديني، بالإضافة إلى عدد من الوزراء ورجالات السلطة الترابية والعمال المغاربة والأفارقة، وسفراء يمثلون مختلف الدول الإفريقية.

ويهدف المؤتمر المنعقد بين 20 و24 من شهر نونبر الجاري، الذي تحتضنه مدينة مراكش للمرة الثانية ويتزامن مع الذكرى العشرين لتأسيس منظمة المدن والجماعات المحلية، إلى تكريس المكانة المحورية لإفريقيا في تحديد وتفعيل سياسات واستراتيجيات التنمية المحلية، والاندماج والتعاون بإفريقيا، فضلا عن اقتراح آفاق جديدة من أجل مساهمة أكبر للجماعات الترابية بالقارة.

عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، قال في كلمته الافتتاحية للمؤتمر، إن "العالم يشهد الْيَوْمَ تحولات سريعة ومعقدة تتطلب تعاونا مشتركًا لمواجهة التحديات العالمية، خاصة تلك المرتبطة بالتنمية المستدامة وإشكالية الهجرة والتحديات المناخية والأمن الغذائي وتمويل الجماعات الترابية"، مضيفا أن "مواجهة إشكالات من هذا الحجم شكلت لدى المغرب دافعا قويا لبلورة حلول عملية بالتعاون مع الدول الإفريقية".

وأبرز المسؤول الحكومي المغربي أن "اللاتمركز يشكل راهنا أساسيا يجب على الدول الإفريقية استثماره بشكل جيد لضمان رفاهية الشعوب وفق مقاربة تقوم على روح المبادرة والابتكار واستغلال الإمكانات بشكل عقلاني مع ما يتلاءم مع واقعانا الاجتماعي والاقتصادي".

وخاطب لفتيت المشاركين في القمة الإفريقية قائلا: "المملكة جزء لا يتجزأ من إفريقيا، ملتزمة بدعم جميع سبل التعاون مع الهيئات المحلية القائم على الحرص على الدفاع عن مصالحها الحيوية ومصالح إفريقيا"، مشيرا إلى أن "غاية المملكة أن تتضافر جهود كل الحكومات الإفريقية من أجل تحقيق الأهداف التنموية التي ستدفع بعجلة التنمية إلى مستويات متقدمة".

وزاد الوزير المغربي أن "إفريقيا بما تمتلكه من موارد طبيعية وخيرات أصبحت اليوم قادرة على تحقيق أهدافها التنموية وتحقيق الرفاه، وذلك بالرغم من التحديات التي قد تطرح اليوم والتي لم تعد ذات أسباب تاريخية، وإنما مناخية وطبيعية أو اجتماعية وديمغرافية".

وفي كلمته الافتتاحية، قال الأمين العام لمنظمة المدن والحكومات المحلية المتحدة الإفريقية، جان بيير ايلونغ امباسي، إن "العاهل المغربي منحنا رعايته لتنظيم هذا المحفل الإفريقي الكبير الذي سيناقش مختلف أشكال الانتقال وانعكاساتها على مستقبل إفريقيا ومستقبل العالم أجمع، ويتعلق الأمر في المقام الأول بالانتقال الديموغرافي والتعمير، مع التركيز على مكانة النساء والشباب في دينامية التنمية والاندماج بالقارة".

وأضاف امباسي أن "الجمع الثاني في مراكش إنما نحتفل في إطاره بالذكرى العشرين لمستقبل المدن الإفريقية، وهو فرصة من أحل التفكير معا في صيغة ملائمة للخروج من المشاكل التي تعاني منها القارة الإفريقية"، مبرزا أن "الظروف الحالية صعبة تدفعنا لنعمل معا وأن نواكب الدينامية التي تشهدها القارة التي تعرف تطورا لكنها لم تستفد من الخيرات التي تتوفر عليها".

من جانبه، أقر مفو بارك تو، الرئيس التنفيذي لمنظمة المدن والحكومات المحلية المتحدة، الذي قدم من جنوب إفريقيا، بأن "المدن الإفريقية تقوم بتواصل كثيف من أجل تحقيق التنمية، خاصة أمام تداعيات الثورة التكنولوجية التي ستؤثر لا محال في مستقبل العالم"، قبل أن يزيد "إننا نعمل على إغناء المدن ومساعدتها من أجل تجاوز تحديات القرن العشرين، لأنه بهذه الطريقة يمكن للأهداف المحلية أن تتحقق ويمكن لقدر الدول الإفريقية أن يتفوق على قدر العالم".

ودعا المسؤول الإفريقي الحكومات المحلية إلى تجديد الأنظمة المالية التي لا بد لها أن تعزز قدرات الحكومات المحلية، معترفا بأنه "ليس هناك حل أو نظام واحد صالح للجميع، بل هناك أنظمة أخرى لا بد من خلق موارد جديدة لتستجيب لحاجات الساكنة الإفريقية".

أما كوباياشي كازومي، نائب عمدة يوكوهاما اليابانية، فقال إن المدينة التي يقودها "كانت قرية صغيرة تضم فئات قليلة من السكان. أما الْيَوْمَ، فهي تعد مدينة دولية يبلغ عدد سكانها سبعة ملايين نسمة" مشيرا الى أنه "بعد الحرب العالمية كانت هناك بنية تحتية غير كافية وضعيفة، لكن وفي إطار التنمية الاقتصادية استطعنا أن نحقق المبتغى وتجاوزنا المشاكل التي كانت تعيق تطورنا".

المسؤول الترابي الياباني أوضح أن "المدينة اليابانية أصبحت قريبة من الدول الإفريقية؛ إذ إنها تستضيف عددا من الخبراء الأفارقة من أجل مناقشة المستقبل الاقتصادي والسياسي للقارة"، مؤكدا أنه خلال السنة المقبلة سوف يأتي إلى يوكوهاما أزيد من ألف خبير إفريقي، معتبرا أن "يوكوهاما أصبحت الأقرب روحا إلى الدول الإفريقية، وهي المدينة التي تعد الأكثر التزاما بأهداف التنمية المستدامة وتنظر إلى إفريقيا كشريك في إطار المنظمات التي نعمل من خلالها معا".

ويهدف المؤتمر المنعقد بين 20 و24 من شهر نونبر الجاري إلى تكريس المكانة المحورية لإفريقيا في تحديد وتفعيل سياسات واستراتيجيات التنمية المحلية، والاندماج والتعاون بإفريقيا، فضلا عن اقتراح آفاق جديدة من أجل مساهمة أكبر للجماعات الترابية بالقارة، وكذا وضع لبنات سياسات بديلة تمكن من تحقيق الاستدامة البيئية والاندماج الاجتماعي، إضافة إلى تعبئة الجماعات الترابية وشركائها لإنجاز تنمية شاملة ومستدامة للقارة التي تزخر بموارد هامة ومقومات كبرى تؤهلها لتكون محركا للنمو في العالم.

كما سيكون هذا الحدث القاري الهام فرصة لإثارة النقاش حول الانتقال الإيكولوجي، مع الأخذ بعين الاعتبار الآثار المتزايدة للتغيرات المناخية على مستقبل المجالات الترابية والساكنة، وستلامس الورشات المبرمجة مسألة الانتقال الديمقراطي والسياسي في القارة في ظل البحث عن حلول لأزمة ديمقراطية القرب.

وستتناول قمة منظمة المدن والحكومات المحلية المتحدة الإفريقية كذلك موضوع الانتقال الإقتصادي والاجتماعي، في أفق دعم تنمية اقتصادية محدثة لمناصب الشغل اللائقة، ومكافحة الفوارق والاختلالات التي تعاني منها إفريقيا، فضلا عن التطرق لانعكاسات الانتقال الثقافي والتواصلي، بما في ذلك تبني مرجعيات ثقافية وعلمية وفلسفية جديدة، اعتمادا على التكنولوجيات الجديدة للإعلام والاتصال.