في البداية لا بد من التأكيد على أن مفهوم "الخوف" الوارد في عنوان المقال لا يقصد به الخوف المرضي (الفوبيا) من بعض المشاكل التي تمنع الانسان من ممارسة حياته بشكل طبيعي كالقلق من الموت أو من المرض أو الاختطاف أو الاعتقال (...)، والذي يمكن أن يتعرض له أي فرد من أفراد المجتمع، وإنما الخوف الناتج عن تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وتداعياته السلبية على حياة المواطنين. فكثيرا ما نسمع أو نقرأ عبارات تعكس تغلغل نوع من الخوف الشديد والتشاؤم الكبير في نفوس الأفراد من قبيل: " الأوضاع لا تبشر بالخير"(...). هذه العبارات تنم عن المشهد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي يحكمه الاضطراب والفوضى. وبذلك يتحتم علينا أن نسأل كيف تشكل مجتمع الخوف بالمغرب وما هي عواقب ذلك؟

عوامل تشكل مجتمع الخوف:

الوضع الاجتماعي:

يشهد الوضع الاجتماعي بالمغرب منعطفا خطيرا بسبب تدهور الخدمات الأساسية في مجالات التعليم والصحة والشغل والسكن، وتفشي الفساد بجميع فروعه في الإدارات والمؤسسات العمومية والارتفاع المهول لنسبة البطالة وانتشار الفقر واتساع الهوة بين الفقراء والأقلية الغنية. هذا الواقع الاجتماعي تزكيه تقارير المؤسسات الدستورية الوطنية (مؤسسات الحكامة) والمؤسسات الدولية، فيكفي الرجوع إلى آخر تقرير سنوي الذي أعده المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2017، للوقوف بالتدقيق على الوضع الاجتماعي بالبلاد. فقد رصدت هذه المؤسسة مجموعة من الحقائق تؤكد الضعف الكبير في مجال الخدمات الاجتماعية، فالتعليم يعاني مشاكل كبيرة على جميع المستويات أهمها العرض التربوي (بنيات الاستقبال ومستوى تحقيق أهداف التمدرس ...)، وهو ما يساهم في ضعف تحصيل المكتسبات، وترفع من احتمالات الفشل الدراسي للتلاميذ والطلبة. وفي قطاع الصحة أورد التقرير زمرة من المشاكل التي يتخبط فيها هذا القطاع كغياب تخصصات ومصالح طبية من المفروض توفرها في المؤسسات الاستشفائية، وطول آجال ومواعيد الكشف والاستشفاء وصعوبات توريد الأدوية والمواد الصيدلية(...). أما فيما يتعلق بالشغل فقد كشفت المندوبية السامية للتخطيط عن ارتفاع معدل البطالة إلى 10.2 في المائة خلال سنة 2017، مما رفع عدد العاطلين الإجمالي في المغرب إلى 1.216.000.

الوضع الاقتصادي:

تحيط بالاقتصاد المغربي مجموعة من المشاكل التي تؤثر فيه بشكل خطير، من بينها ارتفاع مؤشرات البطالة والمديونية العامة والعجز في الميزان التجاري. وفي هذا الإطار يؤكد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في تقريره السنوي لسنة 2017، أن "دينامية الاقتصاد الوطني قد فقـدت خـلال السـنوات السـبع الأخيـرة زخمهـا، ولم تسـتطع الحفـاظ علـى مسـتوى مرتفـع مـن النمـو". ومن أبرز المخاطر التي يواجهها الاقتصاد المغربي، والتي تعتبر مصدر خوف للمجتمع، نجد الارتفاع المستمر لمستوى المديونية. فحسب ملخص التقرير حول ميزانية الدولة لسنة 2017 الصادر عن المجلس الأعلى للحسابات بلغ الحجم الاجمالي للتمويل المعبأ من قبل خزينة الدولة حوالي 709.38 مليون درهم موزع بين السوق الداخلي بمبلغ 363.35 مليون درهم والسوق الخارجي بمبلغ 346.3 مليون درهم. وقد أدى هذا الوضع إلى ارتفاع حجم دين الخزينة بمبلغ إضافي قدره 860.34 مليون درهم أي بزيادة 3,5 %مقارنة مع سنة 2016 مستمرا بذلك في وتيرته التصاعدية. هذه الأرقام ستنعكس بلا شك على برامج التنمية وستكون لها آثار كارثية على المستوى الاقتصادي (التبعية الاقتصادية) والاجتماعي (ارتفاع نسبة البطالة وارتفاع الأسعار...) والسياسي (الضغوطات السياسية).

المشهد السياسي:

يمكن لأي ملاحظ موضوعي أن يخلص إلا أن واقع المشهد السياسي المغربي الراهن يتميز بالارتباك والتهافت والتعقيد، فالأحزاب السياسية في مأزق واضح، تعبر عن ذلك اليوم هياكلها التنظيمية وبرامجها وممارستها السياسية، فقد تراجعت – إن لم نقل اندثرت- وظائفها المتمثلة في إضفاء الحركية على الحياة السياسية من خلال طرح الأفكار والبرامج وتأطير المواطنين وتكوين القيادات السياسية، وتكوين الرأي العام ثم تحقيق الاستقرار السياسي. كما فشلت فشلا ذريعا في نقل مطالب المواطنين الاجتماعية والاقتصادية والثقافية إلى النظام السياسي لكي يتم ترجمتها في شكل قرارات وسياسات عمومية. هذا الواقع الحزبي أفرز سلطات دستورية هشة بحكومة ضعيفة وبرلمان أضعف، وهذا ما جعل المواطنين يفقدون أهم مقوم في تحقيق الانتماء بينهم وبين الدولة وهو " الثقة السياسية"، باعتبار هذه الأخيرة مرهونة بقدرة النظام السياسي في إدارة الشؤون العامة في الدولة من خلال ترجمة تطلعات ورغبات المواطنين على أرض الواقع.

النتائج المنتظرة لمجتمع الخوف:

ردود أفعال اجتماعية متباينة:

إن عوامل تَشكل مجتمع الخوف المذكورة أعلاه، ترتب وسيترتب عليها ردود أفعال على المستوى الفردي وعلى المستوى الجماعي، فبالنسبة للمستوى لأول فإن المواطن الخائف على حاضره ومستقبله لا يجد سوى اللجوء إلى الحلول الفردية لمواجهة تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في ظل غياب أي حل سياسي في الأفق، ومن بين هذه الحلول الهروب من مواجهة الواقع بالهجرة سواء كانت بطرق شرعية (أصحاب المهن والتخصصات العالية...) أو غير شرعية عبر قوارب الموت بالنسبة للمعدمين والمحرومين، وقد أظهرت نتائج دراسة حديثة أن "80 في المائة من المغاربة يرغبون في الهجرة". ومن بين الحلول المأساوية والمؤسفة التي يمكن أن يلجأ إليها الفرد للهروب من تردي الأوضاع الاقتصادية وغياب العدالة الاجتماعية نجد انشار ظاهرة الانتحار، فقد صُنف المغرب في أحدث تقارير منظمة الصحة العالمية في مراتب متقدمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لقائمة البلدان أكثر تسجيلا لمعدلات الانتحار. أما فيما يتعلق بالمستوى الثاني المتمثل في ردود أفعال جماعية، فقد أصبحت الاحتجاجات المستمرة من مظاهرات واعتصامات والسخط العارم في مواقع التواصل الاجتماعي، أحد وسائل التعبير عن الخوف من الوضع القائم والغضب الشديد على سياسات الدولة، في ظل الارتباك الكبير لصانع القرار في تدبير الأزمات بمختلف أنواعها وكذا عجز مؤسسات الوساطة على القيام بأي خطوة للخروج من هذا الوضع.

الاستغلال السياسي لمجتمع الخوف:

إن مشاعر الخوف وعدم الرضا لدى المواطنين على الظروف الاجتماعية والاقتصادية، وغياب أي مبادرة حكومية لبلورة نموذج تنموي جديد من خلال إجراء تحولات هيكلية على جميع الأصعدة (الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية)، وفشل الأحزاب السياسية في إيجاد مشروع مجتمعي بديل، من شأنه أن يفسح المجال لتنظيمات سياسية محظورة أو قانونية (وطنية ودولية) لاستغلال هذا الوضع لتحقيق بعض أجندتها، خاصة وأن بعض هذه التنظيمات لها قدرة كبيرة على توظيف الاحتجاجات المستمرة والحالة الاجتماعية لبعض الشباب والتذمر والسخط العارم على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي، على النحو الذي يخدم مصالحها.

إجراءات لاحتواء مجتمع الخوف:

إن ما أفرزته الظروف الراهنة في المغرب من تذمر واحتقان قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على أمن البلد واستقراره. كما أن استمرار الدولة في تغليب المقاربة الأمنية والتضييق على الحريات، سيفاقم الأمور وقد يعجل في انفجارها في أية لحظة. وما يحتاجه المغرب اليوم هو احتواء هذا الخوف بإجراءات استباقية، شريطة وجود إرادة سياسية حقيقية لإطلاق مشروع إصلاحي شامل والقدرة على تقديم الأجوبة العملية على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، والتي من شأنها أن تعيد الثقة للمواطن والاحساس بالانتماء الفاعل للدولة.

عبد الواحد البيديري

*كاتب عام مركز تفكر للدراسات والأبحاث الاستراتيجية

*باحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية