انتفاضة التلاميذ بالمغرب سنة 2018 سجلها التاريخ لهذه الفئة العمرية ضد قرار إداري لا شعبي، حيث لم تتم استشارة إرادة الشعب عبر ممثليه في البرلمان.

أو ليس الأطفال والتلاميذ جزء من هذا الشعب؟ أليس للأطفال حقوق؟ وقد منحتهم المواثيق الدولية لحقوق الإنسان حزمة منها تحت عنوان: "حقوق الطفل".

أيكفي أن يكونوا قاصرين حتى نحجر على حقهم في الاختلاف وقول: لا؟

كثيرة هي الأسئلة التي فجرتها هذه الساعة، الزائدة-الناقصة، في عبث وارتجال وخضوع القرار السيادي الداخلي لمصالح اقتصادية خارجية، مما يؤشر أولا عن ضعف الدولة الفاشلة، وثانيا عن احتقار أصحاب القرار واستخفاهم بالشعب.

ولكن ردة فعل الجيل الجديد كانت صادمة، وهي ردة فعل عفوية، بعكس ما حاول بعض المسؤولين نعتها بالمؤامرة وبأن أياد خفية كانت وراء خروج المتمدريس إلى الشـــوارع والساحات العمومية للتعبير عن استيائهم.

إن هذه اللحظة بالعكس هي فرصة ثمينة ونادرة يجب أن تنبه الفاعل السياسي-الدولة إلى المخاطر والتهديدات المحدقة بها من الداخل قبل الخارج، وعلى رأسها بحسب رأينا:

استقالة الاحزاب:

تخلي الأحزاب السياسية عن أدوارها الأساسية في: التأطير، الدمج الاجتماعي للأفراد والجماعات، التربية والتنشئة السياسية على قيم المواطنة.

محاربة الدولة للفعل الحزبي:

ساهمت الدولة في إضعاف الأحزاب السياسية منذ الاستقلال إلى اليوم عبر ترويج صورة مشوهة عن الأحزاب والمناضلين والمتعاطفين، كما أن القمع والعنف اللذين ووجهت بهما في سنوات الجمر والرصاص ساهما في بناء جدار سميك من الخوف بين العمل الحزبي والمجتمع، كما أن تدخل الدولة في خلق أحزاب موالية لها (الأحزاب الإدارية) أزم المشهد الحزبي وساهم في بلقنته.

"جنينية المجتمع المدني المغربي":

مفهوم "المجتمع المدني" بالمغرب ما يزال جنينيا، والدولة حاولت التسويق له كبديل عن الفاعل الحزبي مما جعله ينحرف عن سياقات اشتغاله، ومما أفقده كذلك استقلاليته عن السلطة وترك مسافة معها، وهو ما جعله رهينة عطايا تمويلاتها-التبعية، والمنفذ لإملاءات برامجها في القرى والمدن (تجربة التنمية البشرية)، بمعنى إن المبادرات المجتمعية أصبحت نازلة من فوق كأوامر وليست صاعدة من القاعدة كمطالب، وهذا وجه من أوجه تشوهات مفهوم المجتمع المدني المغربي، ناهيك عن الجمعيات العائلية، الريعية، الموسمية، والوهمية.

لهذه الأسباب وغيرها نلاحظ أن هذا الجيل غير المؤطر لا سياسيا ولا جمعويا قد انتفض ضد القرار الإداري بتغيير التوقيت الرسمي للمملكة بزيادة ساعة، انتفض انطلاقا من قناعات شخصية ومواقف عبر ردود فعل عفوية ولكن بأي مستوى من الاحتجاج؟

سأركز هنا على مظاهرة التلاميذ في الرباط لكونها عاصمة الدولة، فأمام البرلمان احتشد التلاميذ للاحتجاج على زيادة ساعة مطالبين بالعودة إلى التوقيت السابق، ولكن الشعارات التي رفعت والعبارات التي استعملت دقت وتدق ناقوس الخطر القادم للدولة، أن هؤلاء جيل يتطلب أساليب جديدة من التواصل، وأن العنف والترهيب لن ينفعا، كما أن الحشد الكبير في الواقع لا يستبعد أن وسائل ومنصات التواصل الاجتماعي لعبت فيه دورا مفصليا.

إن لحظة الاحتجاج هذه تدق ناقوس الخطر وعلى الدولة دراسة الوضع قبل أن يدق القادم من اللحظات الإسفين في عنقها.


 

عبد الرحمان شحشي