يسود اعتقاد أن الرئيس التركي أعاد كتابة خطابه في ربع الساعة الأخير، قبل أن يلقيه أمام نواب حزبه.

فقد وعد رجب طيب اردوغان، الأتراك وكل العالم بخطاب " يعري" الحقيقة حول مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي؛ بيد أن مئات العدسات المحتشدة لم تلهب خيال  المشاهدين بمعلومات مثيرة.

المعروف عن الزعيم التركي، ولعه بالخطب الطويلة، والإسهاب حد الأطناب في التفاصيل. وفي خطاب الثلاثاء المنتظر، أوجز تفاصيل لم تكن جديدة تماما، بفضل تسونامي التسريبات التي ضربت الإعلام العالمي انطلاقا من البوسفور والدردنيل. الفرق انها وردت على لسان أعلى "مصدر" في هرم السلطة التركية، عنوانه رئيس الجمهورية التركية واسمه رجب طيب اردوغان.

ركز المستمعون، المحبطون من ضآلة  حجم العري في الحقيقية الموعودة، على عبارة الرئيس التركي" نطالب بالتحقيق مع المسؤولين السعوديين من الاسفل الى الاعلى".

وتوقع متسقطو الخطاب، من الرئيس التركي، تقريرا جنائيا، يتضمن كل التفاصيل المثيرة، تماما مثلما يذهب عشاق افلام الرعب الى صالة السينما لمشاهدة فيلم هيتشكوك!

لكن رجب طيب ارد وغان، يواصل ادارة الازمة، مع القطب الاقليمي المؤثر، المملكة العربية السعودية، من قاعدة الحفاظ على المصالح، ودفع الطرف المتهم بجريمة قتل المواطن السعودي المنشق جمال خاشقجي، ليس فقط الاعتراف بارتكابها، بل بعرض الادلة والقرائن، بنفسه، الامر الذي حول  ملف الصحفي ، رقما عالميا في غضون  ساعات منذ ان دخل قنصلية بلاده في اسطنبول ولم يخرج حيا.

ليس مؤكدا فيما اذا كان الرئيس التركي عدل نص خطاب الثلاثاء، من "تعرية الحقيقة"، الى الكشف عن بعض مساوئها في سياق صفقة بين انقرة والرياض.

 إلا أن لغة الخطاب، تشي بان الرئيس التركي، يبتعد عن المواجهة، مع دولة لا يمكن للجمهورية التركية التي تخرج تدريجيا من معطف اتاتورك العلماني وتتنطع لزعامة العالم الاسلامي، ان تتجاهل ثقلها في الشرق الاوسط، وفي الاقتصاد العالمي بوجه عام.

من الطبيعي ان يحرص اردوغان على المصالح الاقتصادية لبلاده مادام، عرابو الديمقراطية في واشنطن وعلى راسهم، سيد البيت الابيض لا يتوقفون عن التذكير بمليارات الدولارات، ثمن صفقات التسلح مع السعودية كلما تحدث ترامب  عن مأساة  خاشقجي. حتى انها صارت لازمة في القنوات التلفزيونية.

وليس مستغربا، اذا حافظ اردوغان على شعرة معاوية مع البلاط السعودي؛ في حين يظفر ترامب جديلة العقود المجزية، مع الرياض بغض النظر عن كل ما يقال ،حول اغتيال الكاتب في " واشنطن بوست" جمال خاشقجي.

لقد لعبت الصحيفة الامريكية المرموقة، دورا مفصليا في تعرية فضيحة " واترغيت" واطاحت  الرئيس الامريكي 38 ريتشارد ميلهاوس نيكسون. ولعلها اليوم تستثمر" خاشقجي غيت" لتقليم اظافر ترامب في الكونغرس، وقطع الطريق امامه نحو ولاية ثانية.

ان شعرة معاوية التي لا يريد اردوغان قطعها مع العاهل السعودي، تمثل المعادل الموضوعي لظفيره ترامب الشعثة في علاقات البيت الابيض ،المبنية على المصالح مع بلاط ورثة عبد العزيز ال سعود منذ الجيل الاول الى الجيل الثالث الحالي.

والسؤال هل لن يؤدي الشد والجذب، الامريكي والتركي الى هز سفينة العرش السعودي، ويعرضها الى الغرق؟!

سلام مسافر