بلادنا بحاجة إلى إصلاح شامل..

في السياسة والاقتصاد، مع الفصل بين الدين والدولة..

هذه بداية طريقنا إلى إنشاء "دولة عادلة"!

وحماية بلدنا من مخاطر "ما نحن فيه"..

وما نحن فيه اليوم لا يوصف إلا بالفساد الشامل..

نخبة سياسية فاسدة..

نخبة مالية فاسدة..

النخبة الاجتماعية فاسدة..

ومن يتاجرون في الدين، هم من أفسد ما خلق..

والنتيجة تتمثل في تراجع بلدنا على كل المستويات:

- ما تفسير رحيل شركات استثمارية من بلادنا؟

وإغلاق معامل ومقاولات؟

ما تفسير العبث بحقوق العمال؟ والمعطلين؟

والعبث بتقاعد الفقراء: "الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي"؟

وما تفسير كذا وكذا وكذا؟

- الرائحة قد أصبحت روائح، بصيغة الجمع..

روائح يسميها البعض "عطورا"!

"عطور" نتنة قد تسربت إلى العلن.. والكل بها على علم.. والمعاناة عمومية..

وكلنا مدركون أن "العطور" الكريهة لن تتوقف، ما دام الفساد هو الفساد..

يتحكم في رأس المال.. وفي الربح.. ويقرر الخسارة..

ويبتلع كل شيء.. حتى رأس المال!

وقد حولنا الفساد إلى ملايين من المحتاجين.. والمتسولين.. والمظلومين.. والمقهورين...

الفساد كالسرطان يقود إلى مزيد من الإفساد.. ويولي الأولوية للمصلحة الشخصية، على حساب المصلحة العامة..

ولا يقبل الفساد أي وضوح، وأية شفافية في الحقوق والواجبات..

ولا يقبل الكفاءات النزيهة..

يراهن على الرشوة والمحسوبية والزبونية..

ويجنح إلى تضييع حقوق الغير، عبر استغلال النفوذ، والابتزاز، وتنصيب "المقربين" في وظائف لا تناسب مؤهلاتهم، على حساب مهارات بنات وأبناء الفقراء..

ومن مظاهر الفساد: استصدار تشريعات لا تخدم مصالح الجميع.. هي فقط، في خدمة فئة دون غيرها..

- وإعفاءات ضريبية بلا حدود.. لفائدة الإقطاعيين: كبار اللصوص!

وأوجه أخرى للفساد، تنتشر على نطاق واسع، بقرارات مكشوفة من الحكومة..

وفساد بهذا الحجم، وهذه الصيغة، ينشط بشكل علني، اعتمادا على شركاء ونافذين...

وهذه الأصناف الفاسدة منتشرة عندنا، على نطاق واسع..

وإذا لم نتصد للفساد، ونقتلع جذوره، فإنه سيكون قاضيا علينا جميعا، وعلى أعمدة الدولة، وناشرا لفوضى عارمة..

نحن أحوج اليوم، من أي وقت مضى، إلى تنشئة أجيال واعية بمخاطر الفساد، وعلى رأسها الرشوة..

وإلى تعميق أخلاق وطنية تحارب الفساد طولا وعرضا..

أخلاق قائمة على ضمير سلوكي، ومهني، مبني على احترام القوانين..

وما أحوجنا إلى قوانين مدنية لحماية السلوكات العمومية من أي انزياح إلى الفساد..

القانون، والضمير، يقومان السلوك، ومساهمات في تقوية المصلحة العمومية على المصلحة الخاصة..

بلادنا بحاجة إلى حملة وطنية شاملة على الفساد..

- ومحاكمات للفاسدين!

وعقوبات صارمة لكل من ثبتت في حقهم أعمال فاسدة..

وإلى هذا، الحاجة ملحة لمراقبة مستمرة لسلوكات مسؤولين في إدارات، بهدف اجتثاث جذور المفسدين والسماسرة والوسطاء..

وتوعية وطنية متواصلة لمشاركة الجميع في فضح شبكات وعناصر الفساد، والتعاون الوطني للقضاء على أوكار الفاسدين..

- والشفافية التامة في ميزانيات الدولة، لمراقبة الكيفية التي يتم بها تدبير وصرف المال العام..

أما مسألة الحصانة، فهذه تشكل علامة استفهام جديدة قديمة..

الحصانة وهم قد حولوه إلى قانون..

يجب إعادة النظر في الحصانة..

- لا حصانة من القانون!

ضرورة تطويق التهرب من المتابعة، والمحاسبة، على أساس: القانون فوق الجميع..

وتطهير العدالة، لكي يكون القضاء مستقلا، محايدا، نزيها، بعيدا عن أية إملاءات وأي تأثير..

ومن حق المجتمع أن يكون له إعلام يتسم بحرية التعبير، ويمارس حقه في الوصول إلى المعلومات..

ولا يجوز أن تكون معلومات المالية العامة، والصفقات العمومية، غير شفافة، وغير واضحة للعيان..

ولا بد من تعزيز الثقة بين المواطن والحكومة، ومؤسسات الدولة، بتمكين المواطنين من محاسبة علنية للحكومة.. وهذا يتأتى عبر السلطة والسلطة المضادة، مع وجود معارضة حزبية هي أيضا خاضعة لمراقبة شفافة..

لا بد من قوة وقوة مضادة، لتحقيق توازن الدولة..

كما تتوجب ملاحقة ناهبي المال العام الوطني، أينما فروا، عبر أرجاء العالم..

وهذا أيضا، يكون بتعزيز المراقبة الداخلية، لمنع تهريب الأموال الوطنية إلى الخارج..

وإلى هذا وغيره، تعزيز الجبهة الديمقراطية الداخلية.. ففي غياب ديمقراطية حقة، يكون الباب مفتوحا أمام الزبونية والمحسوبية والرشوة وغيرها...

والحاجة إلى قانون مدني لا يفرق بين الناس، وبين القبائل، وبين العقائد.. كل الناس سواسية أمام القانون.. ومن واجب الجميع أن يعيشوا بحرية وأمن وأمان، تحت أضواء الانفتاح على الآخر..

التعايش يتطلب أن يكون تحت سيادة لا تتاجر في الدين، ولا في السياسة، ولا في حقوق المواطنين..

الدولة ليست هي "الخصم والحكم"..

الدولة هي الحكم.. تحتضن الجميع..

هي دولة مؤسسات..

في خدمة كل المواطنين، على أساس حقوق الإنسان..

- وشفافية الاقتصاد الوطني!

وهذا أساس للاستقرار الإيجابي في بلادنا..

ولا ينفع استقرار من شاكلة المستنقعات..

الحاجة إلى استقرار بناء..

استقرار ينتج التنمية.. والعدالة الاجتماعية..

استقرار ينتج الشغل.. والتعليم.. والصحة.. والعدالة..

استقرار حقيقي.. في عمقه فعال..

وليس مجرد استقرار شكلي.. ديكوري.. تأثيثي..

- تعالوا نبن بلدنا على أساس سليم!

وإلا فالبنيان الحالي لا يستقيم..

و"العطور الكريهة" لن تبقينا بسلام..

"روائح الفساد" تزكم الأنوف..

والفساد - إذا لم يتوقف - سيتصيدنا جميعا..

من الصغير فينا إلى الكبير!

ifzahmed66@gmail.com