ـ 1 ـ

من بين أهم الأسئلة التي تواجه الفاعلين الإسلاميين، فكريين كانوا أم سياسيين هو: كيف سيصل الإسلاميون إلى الحكم؟

وينطلق هذا السؤال ـ طبعا ـ من مسلّمة لا جدال فيها عند هؤلاء، مفادها أنهم ـ مهما طال الزمن ـ سيتمكنون ذات يوم من مقاليد الحكم الحقيقي، والذي يخولهم أن ينزّلوا تصوراتهم وبرامجهم، وذلك انسجاما مع سنة الله تعالى في "تداول الأيام". وهذا يعني أن الإسلاميين، بما معهم من وعد الله ورسوله، يرتقبون ساعتهم مطمئنين، وإن خرج من معطفهم ـ للأسف ـ من يتسرع في الوصول إلى ذلك مستعملا كل الوسائل المتاحة أمامه بما فيها العنف.

ـ 2 ـ

دون وصول الإسلاميين إلى الحكم عقبات كثيرة، منها الذاتي ومنها الموضوعي. نركز هنا على اثنتين منها: الغرب والعلمانيون [اللائكيون منهم بالخصوص، ما يسميه المسيري بـ"العلمانية الشاملة" ]

يعي الإسلاميون جيدا أن الغرب، ما دام قادرا على ذلك، فإنه لن يسمح في البلاد الإسلامية ـ وخاصة العربية منها ـ بأي تغيير يهدد مصالحه الإستراتيجية، خاصة إن كان خلف هذا التغيير خصم صاحب عقيدة وإيديولوجية، فإن كانت إسلامية فهذا أدعى للخوف والهلع.

إن البقاء الأبدي لأي أمة على قمة التقدم الحضاري مستحيل تماما، واستمرارها في ريادتها المادية مكلف جدا، ولكي تُطيل من سيطرتها وقوتها، والظهور بمظهر العنفوان، يجعلها تمارس العنف المادي والمعنوي على الأمم الأقل قوة، واستتباع الأضعف.

لكن هذا الغرب سيدرك ـ لا محالة، وبحساب السياسة والاقتصاد ـ أن مصالحه لا موقع لها في عالم المستقبل إلا بالتعاون مع هؤلاء الإسلاميين الذين ينتظرونه هناك، نرجو أن يكون هذا اللقاء الحتمي بالحوار وليس بالصدام.

ـ 3 ـ

أما العلمانيون ـ ومعهم الطبقة السياسية الفاسدة ـ بما معهم من أحكام وخلفيات سلبية جاهزة تجاه الإسلاميين، فإنهم سيديرون معركة خلفية هدفها أيضا إفشال أي تغيير حقيقي، ومن ثم سيتحالفون مع السلطة القائمة مهما كانت ظالمة ومفسدة، ومع الفلول، ومع الشيطان إن اقتضى الأمر، لأنهم يعتقدون بأن الوضع القائم أحسن حالا من حكم الإسلاميين الذين يكفرون بالديمقراطية، ويكرهون كل ما هو جميل في الكون !

فعلى الإسلاميين أن يُطَمئنوا العلمانيين بأنهم لن يكسروا السُّلم الديمقراطي بعد ارتقائه والوصول إلى سدة الحكم، وأنهم لن يحتكروا الإسلام ولا الكلام باسمه. وأن لا محيد عن الحوار لحل مشاكل المجتمع.

أما المسؤولون عن واقع التخلف والظلم فعلى الإسلاميين أن يُسهّلوا لهم الانسحاب في هدوء. عليهم أن يرحلوا ـ طوعا أو كرها ـ حتى يتيحوا للمجتمع أن يتطور.

ـ 4 ـ

الوقائع ـ للأسف ـ تؤكد بأن لا أحد سيسمح للإسلاميين بالوصول إلى حكم الدول العربية ـ خاصة ـ عن طريق صناديق الانتخابات، والتجربة الجزائرية خير شاهد ومؤشر على ذلك، فالخصم مستعد أن يحرق البلد، متى كانت له القدرة، ووجد الغطاء الإقليمي والدولي، ولا يترك التجربة تنمو وتتطور.

ـ 5 ـ

أما الانقلابات العسكرية، فليست في تصورات أغلبهم مرفوضة في ذاتها بشكل مطلق، بل هي محرمة عندهم ـ إن فهمتُ عنهم بشكل جيد ـ متى كان دافعها "فكر انقلابي" يروم فرض التصورات والبرامج على الدولة والمجتمع. أما إذا كان انقلابا وطنيا ـ شعبيا، أي أنه مدعوم من قبل كل القوى المعارضة التي سُدّت في وجهها أبواب المشاركة في حاضر وطنها ومستقبله، أو أغلبها، فمقبول عند أغلبهم. وهنا يستحضرون ـ بكبير احترام وإجلال ـ تجربة "سوار الذهب"الذي انقلب على النميري في السودان ثم سلم السلطة للمدنيين عبر انتخابات نزيهة. وهذا ما يسميه البعض بـ "الانقلاب العسكري الشعبي".

ـ 6 ـ

تبقى أحسن طريقة على الإطلاق يفضلها الإسلاميون هي الثورة، حيث يمتلك الثوار المشروعية الشعبية لأحداث التغيير الجذري المطلوب. ومخيالهم يذهب دائما في اتجاه الثورة على الطريقة الإيرانية، حيث تجذُّر الغضب الشعبي مع وجود قيادة مسموعة الكلمة. لكن يبدو أن هذه التجربة صعبة التكرار في العالم السني إن لم تكن مستحيلة.

ـ 7 ـ

وماذا عن الضغط الشعبي والانتفاضات والعصيان الذي يجعل السلطة القائمة تحس بخطر انسحاب البساط من تحت أرجلها فتعمل على تقديم تنازلات.

الشعار هنا ـ يؤكد بعض الإسلاميين ـ "لا ثقة" في هذه النوايا والاقتراحات إلا إن رافقتها ضمانات حقيقية تسهر على تنفيذها "جهة" نزيهة محايدة وبعيدة عن التجاذبات السياسية، ولها سلطة على كل الأطراف، وقد تكون داخلية أو مؤسسة عالمية.

وهنا لزم الحذر كل الحذر من مكر "الثعالب العجوزة" المتمرسة على الخداع السياسي والمكر والدهاء الذي لا دين له ولا خلق. ومن ثم ينبغي أن يبقى جزء من الشعب منتبها ويقضا في الشوارع للضغط والتسريع من وتيرة تنفيذ الالتزامات والاتفاقات.

ويكون الهدف السياسي ـ في هذه الحالة ـ هو تغيير قواعد اللعبة السياسية بعد نقاش وطني يشارك فيه الجميع دون إقصاء.


عبد الهادي المهادي