ألف المغاربة أن يتناسوا اختلافاتهم عندما يتعلق الأمر بالوحدة الترابية وعندما يقع لهم تتويج وتميز دولي، وخصوصا في المجالات المشرفة التي ليس حولها اختلاف يذكر، مثل فوز المغربية مريم أمجون بمسابقة تحدي القراءة العربي وفوز المغرب كذلك بجائزة الاختراعات بكوريا الجنوبية وفوزه أيضا بالمرتبة الأولى في مسابقة الحساب الذهني بتركيا، وتتويج أميمة دكان، الطالبة المتخصصة في إدارة الأعمال بجامعة "سوكميونغ" بدولة كوريا الجنوبية، بلقب أحسن مناظرة ديبلوماسية في برنامج الأمم المتحدة وتفوقها على أكثر من 180 منافسا لها يمثلون العديد من دول العالم، وحيازة طبيب مغربي لقب أفضل طبيب في نيويورك، ومثله التتويج الرياضي بين الفينة والأخرى.

وكان من المفروض أن يندرج تتويج الدكتور أحمد الريسوني رئيسا للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في هذا السياق، خصوصا وأنه حاز نسبة تفوق %93 من أصوات مئات العلماء ممن يعتبرون في ديننا ورثة الأنبياء والممثلين لعدد كبير من دول العالم والمجتمعين بإسطنبول وبالتصويت السري، ويحتفل المغاربة كلهم بالنبوغ والتميز المغربي الذي يؤكد أن المغرب إذا حل بساحته الإصلاح الحقيقي الذي يقطع مع الفساد والاستبداد سيحلق بعيدا في الآفاق.

غير أن بعض الصحف الصفراء البئيسة أبت إلا أن تفسد هذه الأجواء بنعيق نشاز غير مفهوم وغير مناسب وتبث زفرة حقد لا تفسير لها سوى انخراطها العلني والمكشوف في سوق نخاسة تؤدي فيه خدمة خسيسة مقابل حفنة ريالات ممن يغدقونها في مثل هذا وما هو أخس وأفظع، فلم يجد أولئك البؤساء ما ينفسون به حقدهم على تتويج الدكتور أحمد الريسوني أو بالأحرى التنفيس على حقد من يدفعون ويمولون سوى التذكير بخرافة وفرية لا يصدقها الصبيان ولا حتى المجانون، وهي الربط بين الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والإرهاب، وبين الريسوني والإرهاب، كما ربط من قبل بين الشيخ يوسف القرضاوي والإرهاب، وهو ترديد لما أطلقه قتلة خاشقجي وقتلة شهداء رابعة العدوية وغربان الثورة المضادة.

وصف الإرهاب هذا هو ما قال عنه الريسوني يوما بسخريته المعهودة المؤلمة لمثل هؤلاء القوم: "هذا عمل جيد ومفيد، لكونه، يكشف للعالمين ويكشف خاصة للمسلمين، أي نوع من الكائنات هؤلاء الذين يحكمون في أبو ظبي. عملهم هذا هو أفضل ما يعكس ويفضح مستواهم الثقافي والفكري، المتسم بالبدائية والأمية السياسية... هؤلاء الأميون يحاولون منذ عدة سنوات أن يجعلوا لأنفسهم شأنا ومكانة ودورا في هذه الدنيا. وقد استنفذوا كل أدواتهم لذلك، والآن بدأوا يلجؤون إلى عمليات انتحارية ضد كل ما هو إسلامي وشريف ونبيل، لعلهم بذلك يلفتون الانتباه إليهم"، إلى أن قال: "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين–وغيره من المنظمات العلمية والدعوية والخيرية الواردة في القائمة الإماراتية–حصل لها شرف إضافي بكونها تلقى العداء والحرب من هؤلاء الحكام. وإذا أتتك مَذَمتي من ناقص، فهي الشهادة لي بأني فاضل". وأقول فبئس القائل وبئس المردد الحاقد.

أتعجب من مثل هذا المنبر ومن منبر آخر في ترويج هذه الفرية والكذبة المكشوفة، وهذين العالمين دخلا قصر المملكة في الدروس الحسنية الشيخ القرضاوي زمن الحسن الثاني رحمه الله وأحمد الريسوني زمن محمد السادس نصره الله بالدين ونصر الدين به، فهل يعقل أن يرشح لمثل هذه الدروس من ينسب إلى الارهاب أو شبه إرهاب، ثم هذه كتاباتهم ومحاضراتهم وكلماتهم في العالمين، أين دعم الإرهاب أو القول به أو الإشادة بأعماله وهم رموز الوسطية والاعتدال والاجتهاد المتبصر، والشيخ القرضاوي له أوسع ما كتب في مسألة الجهاد هو كتاب فقه الجهاد يرد فيه على تيارات التشدد التي توظف الجهاد للعنف وأعمال التخريب، ومن آخر إصدارات الريسوني "مقصد السلام في شريعة الإسلام" وأطروحته في "بيان أن من مقاصد الإسلام وشريعته: إخماد الحروب ونشر السلام والوئام بين الناس، أفرادا وجماعات".

وتحدث عن ذلك من خلال السياق التاريخي والسياق التشريعي ومقصد السلام وأدلته في الإسلام، منتهيا إلى ضرورة إطفاء الحروب وإقامة السلام والوئام بين الناس على الصعيد العالمي. وضمن حديثه عن (حق الحياة)، اعتبر أن الحروب هي أعظم خطر على حق الحياة، وأن تحقيق السلام العالمي الشامل هو أعظم حفظ لهذا الحق. أبعد هذا وغيره يقال عن الشيخ إنه إرهابي والمطلوب الأول على لائحة الإرهاب، إلا أن يكون الإرهاب في عرف هؤلاء هو المقاومة الفلسطينية وما في حكمها أو نضال الشعوب ضد الفساد والاستبداد بالطرق المشروعة وبالسبل الحضارية السلمية، وإذا كان الأمر كذلك فمعظم العلماء الربانيين والاتحاد ونحن معهم إرهابيون...

ومن يراجع مواقف وبيانات الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يقف على حقيقة رفضه واستنكاره وتنديده بكل أعمال العنف التي تقوم بها الجماعات المتطرفة مما يسمى بالقاعدة أو داعش أو بوكو حرام... وما من حادثة من الأحداث المؤلمة مما عرف واشتهر إلا وللاتحاد بيان فيرجع إلى موقعه الرسمي للتثبت والتأكد وسيجدها في خانة بيانات الاتحاد، وآخرها إدانة تفجير تونس العاصمة.

وأما الذي تكلم بسوء في الريسوني إثر تتويجه وكان البئيس قد صرح بنفسه أنه لا غيرة له على أهله، فلا حديث معه؛ إذ من كان بلا غيرة على أهله كيف يطالب بالغيرة على وطنه ورموز وطنه وأهل وطنه.

وفي الأخير، أقول الريسوني مفخرة المغرب وأحد رجالاته المتميزين وأحد التيجان التي نفخر بوضعها على رؤوسنا يستحق منا التهنئة والدعاء، وقد كتبت عنه يوما ما أراه اليوم أفضل من ذلك وأكثر بشهادة ممثلي علماء العالم حيث قلت فيه: "أخونا الدكتور أحمد الريسوني حفظه الله عملة نادرة في صف الحركة الإسلامية أكرمنا به الله في بلاد الغرب الإسلامي ونفع به المشرق أيضا، من عرفه أحبه، ومن عاشره شغف بخصاله وجميل صفاته وعظيم أخلاقه، ترى فيه الصبر يمشي على قدمين، والتواضع يدب على الأرض، والحياء يتصبب من جبينه وخديه، ويغلب جفنيه فيمنعان عن عينيه إطالة النظر في الناس والتحديق فيهم، سهل ميسر، بسيط ممتنع، له في مجالس الجد هيبة، شغوف بالحرية والإبداع، لا يجمد أبدا على الأشكال، وحدوي حتى النخاع، يعظم التنظيم ويبغض تضييع الأوقات، ويجل المؤسسات ولا يضيق بالاختلاف، رسالي في علمه وتخصصه وكتاباته، مقاصدي في حله وترحاله، شجاع في إبداء رأيه ولو خالفه من حوله، لا يجامل في الحق ولو أقرب الناس إليه، ولا تملك القلوب الصادقة إلا أن تجتمع حوله ولو اختلفت معه، رؤوف بإخوانه، حريص عليهم جميعا إلا من غلبه على نفسه، يحب التوافق ويكره المغالبة، يختار ألفاظ خطابه، ويتجنب الجرح ويتوسط في التعديل..

هكذا وجدت الريسوني بعد بركة الوحدة، وهكذا أحببته في ذات الله، أسأل الله لي وله الثبات، والرقي قدما في المكرومات، في هذه الحياة وبعد الممات"

محمد بولوز.