بسرعة البرق استصدر قرار تغيير التوقيت القانوني للمملكة المغربية واعتماد التوقيت الصيفي (GMT+1) بشكل نهائي، انتشر خبر التغيير وتناسلت الاستفهامات حول جدوى هذا القرار "العاجل" ودواعيه، وبدا الارتباك جليا لدى الحكومة التي يفترض أن تملك أجوبة للشارع المغربي. محاولات الطمأنة سرعان ما تبددت أمام غياب أجوبة شافية حول الموضوع، وأمام غياب دراسات حقيقية وعلمية تدّعي حكومتنا الموقرة أنها ستنشرها.

بمرور الأيام، ومع غياب أجوبة مقنعة وتراكم الارتجالية وسيادة الارتباك، فتحت شهية الشارع المغربي لتأويل سبب هذا القرار الذي استلزم انعقاد مجلس الوزراء بشكل آني وصدور عدد في الجريدة الرسمية حول الموضوع. كان هناك شبه إجماع على أنه قرار فوقي أملي –بطرق ملتوية- من مستثمرين بعينهم خدمة لمصالحهم التي ترتبط بالقارة العجوز.

لو كان ما ذهب إليه الشارع المغربي من كون الشركة المعلومة هي التي قدّمت عقارب ساعتنا ساعة من الزمن، سيجدر بنا أن نعلن الحداد وننكس الأعلام ونصلي صلاة الغائب على سيادتنا وكرامتنا. إذا لم يكن الأمر كذلك وكان القرار حكوميا ولو بإيعاز من أطراف داخلية، يفترض أن تكون حكومتنا في مستوى القرار السياسي وتعد العدّة للإجابة على تساؤلات واستفهامات المواطن البسيط، وتعمل على تخفيف معاناته مع الإكراهات الموضوعية التي تعيقه، بعيدا عن أسطوانة "الاقتصاد في الطاقة" المشروخة.

مع انقضاء العطلة المدرسية وعودة التلاميذ إلى مؤسساتهم، وقع ما لم يكن في الحسبان وقرّر هؤلاء مقاطعة الدروس في عدد لا يستهان به من المؤسسات عبر التراب الوطني إلى حين التراجع عن قرار تغيير التوقيت، موقف تسبب في إصابة وزارة التربية الوطنية ب"إسهال" حاد همّ عدد البيانات والمذكرات التي لم تستطع وقف زحف "العصيان التلاميذي".

عندما نتحدث عن تلاميذ الثانويات، فنحن بصدد الحديث عن فئة تنصر في أحايين كثيرة لإثبات ذاتها إلى درجة التهوّر، لا تهتم للعواقب بقدر ما تنساق مع التيار في هيستيريا جماعية لا يمكن التكهن بمآلاتها. لقد رأينا حجم الأمواج البشرية التي ملأت شوارع عدد من المدن والبلدات، ورأينا حجم "الفوضى" التي تعمّ رغم أعداد قوات الأمن التي ترافق هذه المسيرات، وسجلنا أيضا مقتل التلميذ الضحية (ز.ا) من ثانوية ابن رشد الاعدادية بمدينة مكناس في خضمّ هذا الغليان المجاني، ولا يمكن إلا أن نهول من مضاعفات هذا المسرحية الرديئة التأليف والإخراج.

من يا ترى يتحمل هدر الزمن المدرسي في مثل هذه الحالات؟ أهي الحكومة التي لا تتقن إلا زرع اليأس والاستقواء على بسطاء المواطنين؟ أهي الوزارة التي تزيد طين المنظومة التربوية بلّة بمذكراتها وبياناتها الارتجالية التي تؤجج الوضع وتسفر عن امتداد السخط؟ أهي النقابات والجمعيات الشريكة التي لم تعد تمثّل أحدا؟ أهم التلاميذ الذين تبحث فئات عريضة منهم عن ذريعة للتمرد والعصيان؟ من يا ترى يهدر الزمن المدرسي لفلذات أكبادنا خصوصا من هم في مستويات إشهادية تنتظرهم امتحانات موحدة وطنية وجهوية؟ إلى أين نحن سائرون؟؟

يتعين على الحكومة إعادة النظر في قرارها المشؤوم، المشؤوم في سياق اتخاذه وجو الاحتقان والتذمر هو الغالب، المشؤوم في طريقة اتخاذه وهذه العجلة غير المفهومة في استصداره والمشؤوم بفحواه وهو الذي لم يراع إكراهات فئات عريضة من المجتمع المغربي في المدن والقرى على حد سواء، على الحكومة أن تعيد النظر في جدوائية تغيير التوقيت القانوني للمملكة، وإذا "ثبت" أن لا مناص منه، فلتتواصل مع المواطنين ولتبدع في تنزيله بشكل يقي المواطن العادي من مضاعفات قرار لا يفيده ولا يعنيه في شيء. من جهة أخرى، يتعين على وزارة التربية الوطنية أن تتحمل مسؤوليتها وتكون حازمة في قرارها آخذة مصلحة المتعلمين بعين الاعتبار، وتكفّ عن تمييع الإدارة التربوية والهروب إلى الأمام من خلال تصدير الأزمة إلى الأكاديميات ومجالس المؤسسات.

في الأخير، لقد ذكرتنا أزمة الساعة بأننا شعب فاشل، أنظروا كيف نعلق الآمال على تلاميذ الثانويات لصنع "التغيير"، تغيير الساعة طبعا!!! أنظروا كيف انتقلنا من مطالب محاربة الفساد والاستبداد ومن مطالب الكرامة والمواطنة التي تجسدها جودة التعليم وخدمات الصحة وتوفير فرص الشغل ودمقرطة المؤسسات وتخليق الحياة العامة إلى مطلب تغيير الساعة، نحن فعلا قوم لا نستحيي، صم بكم عمي لا يعقلون.

 

لحسن أمقران