كلّ يغني على ليلاه في قمة إسطنبول التي جمعت الرئيس فلاديمير بوتين والرئيس ايمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية انجيلا ميركل والرئيس رجب طيب اردوغان. اجتمع الزعماء الأربعة في غياب اربعة اطراف معنية مباشرة بالمأساة السورية. الولايات المتحدة، ايران، إسرائيل، النظام السوري نفسه. اذا كان النظام السوري صار مجرد متفرّج على ما يجري في سوريا، فانّ الولايات المتحدة التي تسيطر على "سوريا المفيدة"، أي منطقة شرق الفرات، صارت لاعبا أساسيا في ما كان يعرف بالجمهورية العربية السورية. امّا إسرائيل، فهي تتحكّم بخيوط كثيرة، على الرغم من دخولها مرحلة البحث عن تفاهمات جديدة مع روسيا في شأن كيفية التعاطي مع الوجود الايراني في الأراضي السورية.

لا يزال الهمّ الاول لألمانيا وفرنسا الهجرة السورية الى البلدين. هاجس ماكرون وميركل ان تسمح تركيا بانتقال السوريين الموجودين في أراضيها الى أوروبا. لا تزال المانيا المكان المفضل للجوء السوري وقد خلق ذلك مشاكل كبيرة لميركل التي فقدت الكثير من شعبيتها في ظلّ صعود اليمين المتطرف.

ما ينطبق على المانيا، ينطبق أيضا على فرنسا حيث بات يتوجب على الرئيس ماكرون البحث عن طريقة للتصدي للتآكل المستمر لشعبيته بعدما اكتشف الفرنسيون انّه ليس ذلك الرئيس الاستثنائي الذي راهنوا عليه، فحملوه الى قصر الاليزيه.

يغني الرئيس بوتين على ليلاه أيضا. مرت ثلاث سنوات على التدخل الروسي المباشر في الحرب على الشعب السوري. استطاع الرئيس الروسي إبقاء بشّار الأسد في دمشق. ولكن ماذا بعد ذلك؟ ليس هناك من يريد شراء الورقة السورية. في المدى الطويل ليس لدى روسيا ما تفعله في سوريا من دون دعم أميركي واوروبي لمشروعها السوري. تحتاج روسيا الى أموال كبيرة في حال كانت تفكر في المساعدة في إعادة اللاجئين السوريين الى قراهم ومدنهم. تحتاج الى أموال اكثر في حال كانت تنوي المساهمة في إعادة بناء سوريا. تحتاج عملية إعادة بناء سوريا الى نحو 500 مليار دولار. لا تمتلك روسيا دولارا واحدا تستطيع صرفه في سوريا. كلّ ما في الامر انّ هناك أسئلة كثيرة تحيط بالمشروع الروسي في سوريا. في مقدّم هذه الأسئلة كيف تستطيع روسيا المساعدة في خروج القوّات الايرانية من الأراضي السوري. الأكيد ان الرئيس بوتين لم يعط جوابا شافيا عن هذا السؤال في المؤتمر الذي عقده "نادي فالداي" في منتجع سوتشي الروسي أخيرا. اكتفى الرئيس الروسي بإلقاء الكرة في ملعب المطالبين بخروج الايراني من الأراضي الروسية. انطلق من ان النظام السوري "شرعي" وان الايراني موجود في سوريا بدعوة من نظام شرعي. الأكيد ان هذه حجة لا علاقة لها من قريب او بعيد بالحقيقة، بمقدار ما انّها ذريعة لتفادي التعاطي مع الواقع. انّه الواقع المتمثل في انّ نظاما اقلّويا، مرفوضا من الأكثرية الساحقة للسوريين، إضافة الى انّه نتاج انقلاب عسكري في العام 1963، لا يستطيع امتلاك أي شرعية من ايّ نوع.

يبقى الهمّ التركي. تريد تركيا ضمان مستقبل وجودها في الأراضي السورية. دخلت قواتها الى الأراضي السورية ولن تكون مستعدة لمغادرتها يوما. تسعى تركيا الى تكرار تجربتها القبرصية في سوريا. سيطرت القوات التركية على جزء من جزيرة قبرص صيف العام 1974 بحجة حماية الاقلّية التركية في الجزيرة. هل من يسأل اليوم لماذا لا تزال تركيا موجودة عسكريا في قبرص ولماذا لا اهتمام تركيا من أي نوع في إيجاد حل سياسي يؤدي الى إعادة توحيد الجزيرة التي صار القسم اليوناني منها عضوا في الاتحاد الاوروبي.

اذا كان من خلاصة يمكن الخروج بها من قمّة إسطنبول، فهذه الخلاصة هي ان الازمة السورية ما زالت في بدايتها. لا وجود بعد لاي أسس لتسوية سياسية. هذا ما يسمح لوزير خارجية النظام وليد المعلّم، وهو شخص ظريف، بالقول في موسكو ان النظام السوري سيكافئ روسيا بعقود إعادة الاعمار، علما ان لا وجود لاي عقود ولاي اعمار ولا لمن يريد الاستثمار في عملية من هذا النوع او المساهمة فيها، اقلّه الى الآن. ذهب المعلّم أخيرا، وهو لا يصدّق أي كلمة تصدر عنه، الى رفض أي تدخل خارجي في صياغة الدستور السوري الجديد.

عندما تكون هناك بداية لحل سياسي جدّي في سوريا، لن يسأل احد عن وجهة نظر النظام، لا في الدستور ولا في غير الدستور. في انتظار بداية البلورة لحل سياسي، لا يبدو ان هناك من يبحث حقيقة عنه في الوقت الحاضر. ستكون هناك أسئلة من نوع مختلف مرتبطة بمصير الوجود الايراني في سوريا. دخلت ايران مرحلة جديدة هي مرحلة العقوبات الاميركية الشديدة التي سيبدأ تطبيقها في الخامس من تشرين الثاني – نوفمبر المقبل. هذه العقوبات كانت وراء طلب تدخل سلطنة عُمان للتوسط مع إسرائيل لمصلحة ايران. يعرف الايرانيون قبل غيرهم، بل اكثر من غيرهم، مدى التأثير الإسرائيلي في واشنطن هذه الايّام. هناك إدارة أميركية برئاسة دونالد ترامب لم تتردد في الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، على الرغم من ان القدس الشرقية مدينة محتلة منذ العام 1967 باعتراف الامم المتحدة. على الرغم من ذلك، لم يصدر عن "محور الممانعة" ما يشير الى ايّ اعتراض على استقبال السلطان قابوس لبنيامين نتانياهو.

لن تكون هناك أهمية كبيرة لقمّة إسطنبول. الاهمّية لما ستسفر عنه زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي لسلطنة عُمان التي استنجدت بها ايران من اجل التوصل الى صفقة مع الشيطانين "الشيطان الأكبر" و"الشيطان الاصغر". هذا عنوان المرحلة المقبلة التي ستكشف هل يمكن التوصل الى مثل هذه الصفقة التي ستعني، بين ما ستعنيه، بقاء ايران في سوريا بموافقة إسرائيلية. هذا على الاقلّ، ما ستسعى ايران الى التوصّل اليه في ظل محاولتها التوصل الى طريقة تسمح لها بتفادي العقوبات الاميركية.

ليس سرّا ان القضية الفلسطينية لم تكن في أي يوم همّا لدى السلطان قابوس الذي قبل اعتماد أوراق اوّل سفير فلسطيني في مسقط في العام 1998. عندما انعقدت قمة بغداد في العام 1978 ردّا على زيارة الرئيس أنور السادات للقدس، تمثلت السلطنة في القمة عبر وكيل وزارة الخارجية فيها. لم تصل العلاقات المصرية – العُمانية الى حد القطيعة في يوم من الايّام. في الوقت ذاته، تعطي سلطنة عُمان منذ عهد الشاه، الاولوية لعلاقتها بايران وذلك من منطلق جغرافي. معنى ذلك انّ هناك استعدادا لدى السلطنة للتعاطي مع ايران وإقامة علاقات وثيقة معها بغض النظر عن طبيعة النظام في هذا البلد. جاء نتانياهو الى مسقط لاسباب إيرانية وليس لاسباب فلسطينية. كيف ستنعكس هذه الزيارة على مستقبل العلاقات الايرانية – الإسرائيلية، كيف سينعكس ذلك على الوجود الايراني في سوريا؟ ذلك هو سؤال المرحلة المقبلة بغض النظر عن النتائج التي قد تسفر عنها قمة إسطنبول وعن من شارك فيها ومن لم يشارك.