نعود من جديد وكما تعودنا كل سنة لنناقش مشروع قانون المالية نفس الملاحظات ونفس التحذيرات تتكرر. الواجب يلزمنا أن ننبه لمجموعة من النقط التي يجب إعادة النظر فيها لأن هناك احتمال كبير أنها بنيت على معطيات خاطئة أو هناك سوء تقدير لما يجري حولنا على المستويين الداخلي وخاصة الخارجي. قبل استعراض التوقعات والمخاطر المحتملة يجب في البداية تسليط الضوء على الخطوط العريضة لمشروع قانون المالية لسنة 2019 : - اولا: الضريبة على الشركات واعتماد معدلات جديدة 17،5% عوض 20% على الأرباح الصافية التي تفوق 300 ألف درهم ولا تتعدى مليون درهم، 32% عوض 31% بالنسبة للأرباح الصافية التي تتعدى مليون درهم. الرفع كذلك من الحد الأدنى للمساهمة في حالة الخسارة (cotisation minimale ) من 0،5% إلى 0،75% أي بزيادة تقدر ب 50% ثانيا: الضريبة على السيارات (لافنييت) التي ستشهد ارتفاعا بين 50 درهم كحد ادنى و500 درهم كأعلى زيادة هذا الإجراء ربما يمكن من زيادة المداخيل الضريبية إلى 130 مليون درهم. آخر المعطيات المتوفرة تتحدث عن مليون و900 ألف سيارة أدت ضريبة لافنييت سنة 2017. ثالثا: الرجوع لتطبيق الضريبة على المساهمة الاجتماعية أو كما كان يطلق عليها سابقا المساهمة في التضامن الوطني بنسبة 2% على الأرباح الصافية التي تعادل أو تفوق 50 مليون درهم على مدى سنتين متتاليتين. رابعا: ابتداء من 1 يناير 2019 الضريبة الداخلية على الاستهلاك بالنسبة للتبغ سوف تصل إلى 60% مما سينعكس حتما على الأسعار لتصل لمستويات قياسية. خامسا: تغيير نمط التقادم بالنسبة للمستحقات الجمركية من 5 إلى 4 سنوات. سادسا: نهاية العمل بنظام دفع واجب الفواتير نقدا حتى حدود 10 آلاف درهم، النظام الجديد يستلزم الدفع بكل الطرق البنكية التي يمكن مراقبتها عبر التفصيل الشهري البنكي (relevé bancaire mensuelle ) كالشيك مثلا......

 

سابعا: تطبيق الضريبة على الأرباح العقارية التي تفوق 500 ألف درهم بنسبة 3% وحذف امتياز حيازة الملك العقاري لأكثر من 6 سنوات.

 

هذه أهم الخطوط التقنية التي تضمنها مشروع قانون المالية لسنة 2019 ، لكن هناك مجموعة من الملاحظات على ضوء ما سبق أو بعض النقط التي سنلقي عليها الضوء

 

والتي يمكن أن تكون المدخل الحقيقي لمجموعة من التخوفات أو التوقعات والتي يمكن أن نحددها في النقط التالية: أولا: انعدام الاستقرار الضريبي بالمغرب منذ 1956 وإلى الآن والدليل على ذلك أن قوانين المالية لكل سنة يمكن أن تتضمن 20 إلى 30 إجراء ضريبي جديد وهو للأسف مخالف لمبدأ الاستقرار الضريبي. تخفيض الضريبة على الشركات من 20% إلى 17،5% بالنسبة للشركات الصغرى والمتوسطة لن يكون له انعكاس إيجابي خصوصا إذا علمنا أن 2/3 من المقاولات المغربية تعيش عجزا حقيقيا، 50% من هذه المقاولات حديثة النشأة. هذه المقاولات بعينها ملزمة بأداء المساهمة الأدنى التي وصلت إلى 0،75% عوض 0،50% على المداخيل السنوية. فعن أي امتيازات وتشجيع المقاولات الصغرى والمتوسطة نتحدث؟ تغيير معدلات الضريبة على المقاولات سوف يؤدي حتما لتشجيع الغش لأنه لا يعقل أن تؤدي مقاولة ضريبة تقدر ب 32% على الربح الصافي الذي وصل إلى مليون و واحد درهم بينما مقاولة أخرى تؤدي 17،5% على ربح صافي يقدر بمليون او 999 ألف و999 درهم، أليس هذا مبعث للتشجيع على الغش؟.

 

عدم الاستقرار الضريبي كل سنة يبعث على تخوف المستثمرين خاصة الأجانب لأنه كما يتعارف عليه عالميا الوعاء الضريبي يحتل المرتبة السادسة أو الثامنة على أبعد تقدير لأي دراسة أو مخطط مستقبلي لنجاح المشاريع. لذلك ومن أجل ضمان الاستقرار الضريبي يجب توحيد معدلات الضرائب . خصوصا الضريبة على الشركات.

 

ثانيا: معدل النمو المقترح في مشروع قانون المالية لسنة 2019 والذي حدد في 3،2% وهو بالمناسبة نفس معدل نمو سنة 2018 الغير قابل للتحقيق حسب المندوبية السامية للتخطيط التي تتوقع نسبة نمو نهاية العام في 2،8% رغم المحصول الزراعي من

 

الحبوب للسنة الجارية. لن يمكن له التحقق لأنه بنى أحد فرضيات مكوناته في حصول المغرب على هبة 12 مليار درهم من دول الخليج التي أصبحت في الآونة الأخيرة تعاني عجزا واضحا في ميزانيتها.

 

لطالما نبهنا إلى عدم قدرة وزارة المالية لتحديد نسبة النمو بشكل مضبوط، نعيد ونكرر نفس الملاحظة فهل من أذان صاغية؟

 

ثالثا: مشروع قانون المالية يتوقع نسبة عجز حددت في 3،7% على أساس أن سعر البرميل الواحد للبترول لن يتعدى 70 دولار مع الإشارة أن المذكرة التوجيهية توقعت 68 دولار وقد سبق وأن نبهنا أن هذا السعر غير مضبوط وبعيد عن الواقع. سعر البرميل من البترول لحدود كتابة هذه السطور وصل إلى 77،8 دولار ، أعلى سعر سجل يوم 25 شتنبر الذي وصل إلى 80 دولار وهو رقم قياسي منذ سنة 2014.

 

البنك الأمريكي يتوقع أن يصل السعر الى90 دولار سنة 2019 إذا استمرت السياسة الترامبية في حضر بيع البترول الإيراني. هذا الاحتمال له ما يزكيه بعدما أصبحت السعودية بمثابة البقرة الحلوب للولايات المتحدة الأمريكية. لا يجب إغفال الميزانية المخصصة لصندوق المقاصة لسنة 2019 في 17،5 مليار درهم. قانون المالية لسنة 2018 كان قد أشار لإلغاء ميزانية صندوق المقاصة برسم السنة القادمة فعن أي تخطيط مستقبلي والتوقع الدقيق الذي يمكن الحديث عنه في ظل معطيات خاطئة غير دارسة للمستقبل، لذلك وحسب هذه المعطيات نسبة العجز ربما تصل إلى 4%

 

مشروع قانون المالية لسنة 2019 يحتاج حتما لمجموعة من التعديلات نتمنى أن يرقى البرلمانيون والمستشارون لتطلعات من صوتوا عليهم بالأمس ببدل ما في طاقتهم من مجهود حتى يكون النقاش مثمرا و ايجابيا في انتظار ذلك وكمواطن لنا الحق في الحلم.



رشيد الساري