سيظل السؤال التاريخي حول ما الحداثة ساريا وراهنيا في مجتمعنا المغربي إلى حين ... النجاح في تكوين بنية ذهنية قادرة على استيعاب التجربة الانسانية والانغمار فيها، ولِمَ لا المساهمة في هاته التجربة الكونية. وليس هناك من مَشتل لتكوين هاته البنية سوى المدرسة العمومية عبر تعليم مدني. وأي مشروع مجتمعي استراتيجي/ مستقبلي خارج هذه المعادلة فنحن بالضرورة خارج التاريخ، وتحقيق المدرسة المنشودة بحلة مدنية خالصة يتطلب قرارا سياديا وليس توافقات بين أطراف سياسية كل يصدر من مرجعيته الايديولوجية، هنا يجب أن تنزل الدولة بثقلها وإعلان مخطط استراتيجي عبر الوقوف مع قراءات موضوعية للواقع التعليمي بالمغرب وليس التعلق ببراديغمات جاهزة تبلورت في واقع مغاير.

المدرسة المدنية بالنسبة لي هي مدرسة القرن الواحد والعشرون بكل ما يحمل هذا القرن من تراكمات تاريخية قطعتها الأنظمة التعليمية في مجمل بقاع العالم، طبعا نحن ليس بدْعا من هذا العالم. تدريس الدين كما في معظم الأنظمة التعليمية المتطورة يكون شأن الأسر ولهم كامل الحرية في اختيار القيم الدينية التي يجب أن يتحلى بها أطفالهم، هذا على اعتبار أنه ليس بالضرورة أن يتطابق الفهم الديني مع الأخلاق والقيم الكونية.

الأمر هنا لا يعني عدم تدريس الدين بالمطلق، بلى. إلا أن السؤال كيف؟ في اعتقادي طبعا، وجب تحييد مادة التربية الاسلامية وتعويضها مادة التربية الدينية على سبيل المثال، وأن تدرس في هذه المادة معظم القيم الدينية السمحة التي تتلاقى فيها كافة الأديان مع تحاشي طبعا الأمور الخلافية في الدين، وكذلك عدم تدريس أي شيء ذي طبيعة ميتافيزيقية كي لا يحدث في ذهن المتعلم نوع الفصام وبالتالي التشويش في طريقة تفكيره ككل.

عود على بدء

حين نتحدث عن الحداثة وضرورة استيعابها فنحن لا نزري أو نهزأ بالتقاليد أو أعراف معينة، ونحن نطالب بتعليم مدني ليس معناه أننا نلغي التربية الدينية، لا.

لكل مجتمع متقدم تقاليده وأعرافه، لكنها حبيسة المنزل والعلاقات الانسانية داخل هذا المجتمع.. أما خارج المنزل/العالم فثمة منظومة اجتماعية وسياسية واقتصادية عامة قائمة على جملة من القيم الكونية المشتركة. من ينكر اليوم سيادة الفكر العلمي، والعقلانية، والحرية، والنزعة النقدية، ومجمل القيم العَلمانية!

معظم الدول التي استطاعت استيعاب هاته التجربة كان لها نصيب من الحضارة، وكل من ناصب لها العداء ظل مستهلكا لا ينتج شيئا غير مأسوف عليه.

مبدئيا، لا يمكن الحديث أو حتى التفكير في الحداثة دون الرجوع إلى المسار التاريخي الذي مرت منه، والحداثة هنا لا تعني شيئا بعينه، بل كناية على ظاهرة اجتماعية وسياسية واقتصادية. وتراكم تاريخي وجب استيعابه، والذي بدأ فعليا منذ عصر النهضة مرورا بحركة الاصلاح الديني والحركة الانسية وفكر الأنوار

والثورات السياسية الكبرى(الانجليزية والامريكية والفرنسية) وانتهاءً بالثورة التقانية التي لازلنا نعيش تبعاتها. كل هذا جزء من تاريخ الحداثة وتجربة إنسانية يجب أن نغشاها عاجلا أم آجلا وإلا...



 مراد حصول