واقع تراجيدي

الجغرافية العربية أو بالأحرى "الأعرابية" حبلى بأحداث ووقائع تخترق في حدوثها كل الأزمنة ؛ في الماضي والحاضر وحتى المستقبل ، وتجمع في صورها كل ما له علاقة بالدم والخراب والتهجير والجهل والمرض والتعصب ؛ صور تتناسل يوميا وبشكل مروع ؛ لم يعد يكترث لها "الضمير العالمي" لاعتياده عليها كشجرة نخرة تتهاوى بقية من أوراقها بين الفينة والأخرى حتى أصبحت تتراءى شبه عارية في مهب كل الرياح !

وحتى استنطاق الأرقام ؛ في هذا السياق ؛ يحيلنا على مشاهد ونسب ورتب مخجلة ، في التعليم والصحة والحقوق ... بينما مواردها ومخزوناتها الطبيعية تسجل تريليونات من الدولارات ؛ تذهب حيث تذهب أموال السفيه والقاصر والخائف والعربيد والمقامر ! وبخصوص هذه الخلة قالت غولدا مايير الرئيسة الأسبق لوزراء الكيان الصهيوني مخاطبة العرب :" ... إن جميع مصادر الطاقة لديكم لا تملكون إلا حق النوم فوقها !.."

الفصل بين العربي والأعرابي

لا داعي لطرق أبواب المفسرين والمؤرخين وتحكيمهم في جذور العبارتين ، أو بالأحرى الفصل بين الحضري المتمدن العارف والبدوي الجلف الجاهل الذي نصت عليه آراء كبار المفسرين والفقهاء بعدم جواز مشروعية إمامته وحتى شهادته ، بالرغم من الاستثناءات التي شهدت له بها بعض النصوص القرآنية بعد أن تناقلت الأشعار " شهامته وكرمه ونبله والذود عن حياضه " ، لكن ومع هذا قد يختلط الأمر أحيانا حتى لا يعود في مكنة الباحث أن يميز السلوك العربي عن السلوك الأعرابي ، إذا احتكمنا إلى مظاهر العنف والدموية والخشونة والغل الذي طبعت سلوك الإنسان العربي نفسه غداة تولي الخلافة من قبل "الخلفاء الراشدين" وخلال الفتوحات الإسلامية ، فقد اتسمت بالغلظة والوحشية الدموية ، سيما في الغارات والحروب والمناوشات ، وظلت صفة ملازمة لهم حتى إلى أواخر القرن العشرين ، حيث ضرب العرب أرقاما قياسية في محاولات الانقلابات العسكرية حبا في السلطة والسعي إلى توريثها ، وهو ما ذهبت إليه آراء العديد من المؤرخين العرب وعلى رأسهم عبد الرحمن بن خلدون في مقدمته ، إذ نعتهم بأوصاف ما زالت لصيقة بهم حتى اليوم ، والرجل لم يكن يصدر ؛ في مواقفه ؛ عن استفتاء المصنفات ، بل عايشهم ؛ عن قرب ومن مواقع عديدة ؛ لأكثر من أربعة عقود كقاضي ومدرس ورحالة ومحرر عقود ووسيط ..

القيم الإسلامية وتشذيب سلوك الأعرابي

يحبل التاريخ القديم والمعاصر بصور عن علاقة العربي بالإسلام ، والتي هي بالكاد مختزلة في إتيانه فقط بأركانه ؛ من لفظ الشهادتين وصلاة وزكاة وصوم وحج ؛ دون أن تتسرب قيمه الأخلاقية النبيلة إلى سلوكه في المعاملات وصدقية الأفعال إلا بالنزر اليسير ، أو يعتنقه وهو أمي لم يعد يميز بين أن يكون مبتورا ومشوها ومغرضا أو متطرفا كما الحال عند بعض التيارات والجماعات الإسلامية كداعش وأخواتها ، هذا النزر اليسير ؛ وفي ظل استهداف العقيدة الإسلامية حاليا ؛ اختفى بالكاد ليظل العربي المسلم ـ في معظم الحالات ـ هو فقط من يتشح برداء الإسلام ، لكن في عمقه شخصا آخر مرادفا للكذاب والمحتال والمنافق والنصاب والسفيه والعنيف والعاطفي والمتهور .. !

مواقع رصد السلوك الأعرابي

هناك مواقع عديدة يمكن لأي باحث التعرف عن قرب للسلوك الأعرابي ، نجملها فيما يلي :

ـ خلال الأداء للشعائر الدينية من حج وعمرة ؛

ـ مغادرة المساجد عقب أداء الصلوات ؛

ـ في المعاملات والتواصل ، خلالها تحضر بقوة سلطة المال والربح ؛

ـ صعود أو نزول سلاليم الطائرة أو السفينة ؛

ـ استعمال الموبايل في الأماكن العمومية ؛

ـ السياقة داخل وخارج المدارات الحضرية ؛

ـ ترجيح مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد ؛

ـ تفضيل سياسة العصا على الحوار ؛المبدأ الأوسع انتشارا في تعامل الأنظمة السياسية العربية مع رعاياها ؛

- الحاكم الأعرابي له ثقة في اليهودي أكبر من المواطن العربي ؛

- الحاكم العربي يسخر ماله لحمايته من بطش أخيه العربي ؛

- الأعرابي أحمد يقتل أخاه محمد تحت وقع الله أكبر؛

- التربة الأعرابية لا تقبل باستنبات الديمقراطية خوفا من زعزعة عروشها؛

- ثقافة الأعرابي يمكن أن تشذب من همجيته إذا انتقل إلى جغرافية بلد ديمقراطي، أو ازداد في أحضانها وتشبع بقيمها؛

- ممارسة موظف عربي سام لاختصاصاته لا تتم إلا بإملاءات فوقية ؛

- الأعرابي لا يعترف لأخيه الأعرابي بأي تميز وسبق حتى ولو حصل على جائزة نوبل؛

- إذا أوتي الأعرابي مالا طغى وتجبر ورغب في معانقة السحاب وسحق ما دونه ؛

- عدو للنظام ومغرم بالفوضى التي يرى فيها عنواناً لحريته وعربدته.



عبد اللطيف مجدوب