موسم الهجرة إلى الشمال لم يعد محصورا في فترة زمنية معينة كما هو الحال لدى الطيور المهاجرة لكن حُمٌَاه أصبحت مزمنة تراود المثقف و الأمي ، العامل و العاطل ، الرجال و النساء... و هنا أطرح معكم مجموعة من الأسئلة تؤرقني :
لماذا يحلم صاحب الشهادة بالهجرة رغم أن شهادته قد تؤمن له فرصة عمل ؟
لماذا يهاجر الطبيب و المهندس و المدرس و رجل الأعمال رغم أنهم حاصلون على وظائف و يتقاضون رواتب ؟
لماذا يسترخص الفرد منا حياته في سبيل حلم العبور إلى الضفة الأخرى ؟
أليس اليأس و الإحباط و عدم الثقة سمات لكل ما يربطنا بالوطن؟
 
إنه لمن العادي جدا أن تجد لكل دولة مشاكلها ، و من العادي جدا أَن تمر الأوطان بأزمات تتطلب تضحيات من الجميع ، لكن ما ليس عاديا هو هذا الإستخفاف بالعقول أو ما يصطلح عليه بالعامية "الطنز العكري" ، فمن غير المعقول أن تستأثر فئة قليلة بخيرات الوطن بينما تعيش الأغلبية على الكفاف، من غير المعقول أن يكون هدف المرأ في الحياة هو تحقيق الإكتفاء "و ما عندناش و ما خصناش" هذا في أحسن الأحوال بينما يرى غيره يتنعم بخيرات الوطن . من غير المعقول أن أشعر أن الوطن لا يمنح فرصة تعليم جيد و مستشفى يحترم آدمية الإنسان . من غير المعقول أن يكون للساسة و كبار المدراء جوزات سفر أجنبية و كل ما يربطهم بالوطن هو تقاسم الغلة . من غير المعقول أن يخرج علينا المسؤولون بأكاذيب بينما الواقع الذي تفضحه كاميرات الهواتف و مواقع التواصل تقول العكس ، لا يمكن أن نكذب السواد الأعظم الذي يعاني التهميش و نصدق الحكومة . من غير المعقول كذلك أن تُرفع تقارير الإختلاسات و سوء الإدارة و لا يحاسب أصحابها بينما يُزج في السجن من فضح الفساد و من كتب كلمة حق و من طالب بحياة كريمة.
 
إن الغليان في المجتمع يعكس حالة عدم الرضا العام عدم الثقة في الجهات الرسمية و رفض التسويف و المطالبة بتوزيع عادل للثروة ، و مهما تفنن السياسيون في خطاباتهم و أوهامهم فلن تقنع أحدا لأن المواطن و ببساطة يريد إنجازا ملموسا يريد عيشا كريما يريد احتراما لآدميته .
 
إن الوطنية تقتضي أكثر من أي وقت مضى أن يقف كل المسؤولين في هذا الوطن أمام أنفسهم محاسبين إياها عما قدموه ، فالوطن لم يعد يتحمل مزيدا من الجراح ، و الأجدر أن يكون الحراك الإجتماعي في المغرب العميق صفارة إنذار تقول للجميع كفى ضحكا على الذقون .



محمد شاكري